الدكرورى يكتب عن فأصابتكم مصيبة الموت ” جزء 1″
بقلم / محمـــد الدكـــرورى
فأصابتكم مصيبة الموت ” جزء 1″
إن الإنابة والرجوع إلى الله سبحانه وتعالى هي مفتاح السعادة والهداية، والإنابة والرجوع إلى الله عز وجل، هى مانعة من عذاب الله تعالى، والمنيب إلى الله تعالى هو المتذكر حال نزول النعم، وإنه لا يعتبر بالآيات ولا يتعظ بالعبر إلا المنيب إلى ربه سبحانه وتعالى، وكلنا مذنبون مخطئون، فنقبل على الله تارة، وندبر أخرى، ولهذا قال النبى صلى الله عليه وسلم “كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون ” رواه الترمذي، فحياتنا كلها تدور على مقاومة الذنوب ومدافعتها، ولو لم نكن كذلك لذهب الله بنا وأتى بغيرنا ليذنبوا فيغفر لهم، والذنوب كالأمراض، منها المرض العارض، ومنها الشديد، ومنها المزمن الذي يحتاج لعلاج قوي.
ومن المهم أن يشخص الإنسان حالته، ويضع المشكلة في حجمها الحقيقي حتى يعرف علاجها، والجنة أعدت نزلا للقلب الخاشع المنيب، وإن حقيقة الإنابة هي الرجوع إلى الله سبحانه وتعالى،بعمل الطاعات والصالحات، وترك الغفلة والمعاصي وهي منزلة أعلى من التوبة، فإن الإنابة مع ترك الغفلة والمعاصي تدل على ذلك، وتدل على الإقبال على الله عز وجل، بالعبادات، وإن من أكثر الرجوع إلى الله تعالى كان الله مفزعه عند النوازل والبلايا والفواجع، فحقيق بالمرء أن ينيب إلى ربه وأن يحاسب نفسه على ما سلف وعلى ما اقتَرف من عصيان، ويقول الحسن البصري رحمه الله إن العبد لا يزال بخير ما كان له واعظ من نفسه.
وكانت المحاسبة همته، والمؤمن في الدنيا كالغريب، لا يجزع من ذلها، ولا ينافس في عزها، له شأن وللناس شأن، واعمل بوصية النبى صلى الله عليه وسلم عندما قال ” كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل” رواه البخاري، ومن كانت الآخرة همّه كانت همّته في تحصيل الزاد الصالح، وإذا استيقَظت القلوب استعدت للآخرة، وإن من اجتهد في محاسبة نفسه ولجمها عن العصيان نجا في الآخرة من الندامة والخسران أنه من الفطر التي فطر الله تعالى الإنسان عليها هو أنه مخلوق مبتلا بالنقص والوقوع في التقصير والتفريط وانتهاك حرمات الله سبحانه وتعالى، والناجون من هذا الابتلاء هم أهل النبوة والرسالة فقط، لأنه عصمهم الله من الشيطان.
ومن كرم الله وفضله ومنه أن امتن على عباده بباب عظيم اسمه باب التوبة مفتوح إلى أن تطلع الشمس من مغربها، أو وصول الإنسان إلى الغرغرة، فعلى الإنسان المبادرة إلى نعمة التوبة التي امتن الله بها عليه، وقد أمر الله تعالى المهاجرين والأنصار بعد أن عاشوا سنوات مديدة من حياتهم جهادا ونصرة وابتلاء في الأنفس والأموال بأن يتوبوا توبة نصوحة، والتوبة رأس الاستقامة، وكذلك التوبة هى رأس كل حال، ونهاية كل مقام، وكل إنسان مطالب بالتوبة في جميع أحواله، لأنه لا يستطيع أن يعبد الله حق عبادته، والتوبة عبادة عظيمة والناس مقصرون فيها كثيرا، والتائب لا يكون تائبا إلا إذا توفرت فيه شروط التوبة، وهى الندم على انتهاك حرمات الله تعالى.
وكذلك الاقلاع عن المعصية، والعزم على أن لا يعود إلى الذنب ما بقي حيا، وأيضا رد حق الغير إن كانت المعصية بسبب التعدي عليه، إن أمكن ذلك، وإن حكم التائب إذا خاف عند رد حق الغير من حدوث نزاع أو شقاق، فليعلم أن حقوق الغير في بعض الأحيان تكون أخطر من حقوق الله تعالى، وإن أعظم شروط التوبة هى الندم والإنكسار وهما الدليل على صدق التوبة، وكذلك أيضا هو من علامات صدق التوبة، ولنعلم جميعا أن التوبة هى أم العبادات، وينبغي مصاحبتها في حياتنا كلها، وإن من بعض أنواع الذنوب التي نغترفها ونتواطؤ عليها هو التقصير في تربية الأبناء، وكذلك التقصير في تعلمنا أحكام الدين، ولنعلم جيدا أنه متى تكرر الذنب، واشتدت الغفلة، وتحول خوف العاصي وحزنه إلى فرح عند ظفره بشهوته المحرمة.