الدكرورى يكتب عن فأصابتكم مصيبة الموت ” جزء 3″
بقلم / محمـــد الدكـــرورى
فأصابتكم مصيبة الموت ” جزء 3″
ونكمل الجزء الثالث مع فأصابتكم مصيبة الموت، فإذا وقعت في الذنب فانكسر لربك واندم، وقل يارب، لم يكن مني ما كان عن استهانة بحقك، ولا جهلا به، ولا إنكارا لاطلاعك، ولا استهانة بوعيدك، وإنما كان من غلبة الهوى، وطمعا في مغفرتك، واتكالا على عفوك، وحسن ظن بك، ورجاء لكرمك، وطمعا في سعة حلمك ورحمتك، وغرني بك الغرور، والنفس الأمارة بالسوء، وسترك المرخي علي، وأعانني جهلي، ولا سبيل إلى الاعتصام لي إلا بك، اللهم إني ظلمت نفسي فاغفر لي، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم “أكثروا ذكر هادم اللذات” أحسبه قال “فإنه ما ذكره أحد في ضيق من العيش إلا وسعه، ولا في سعة إلا ضيقه عليه”
وأنه يرغّب في الآخرة ويدعو إلى الطاعة، وأنه يهوّن على العبد مصائب الدنيا، فلا جزع من مرض، ولا أسف على فقد مال أو حظ من حظوظ الدنيا، وأنه يمنع من الأشر والبطر والتوسع في لذات الدنيا، والتكثر من زهرتها الفانية، نظر إلى الدنيا فمقتها، فكيف سيفرح بها أو يركن إليها؟ وأنه يحث على التوبة واستدراك ما فات، فيرقق القلب وتدمع العين، وأنه يدعو إلى التواضع وترك الكبر، والتخلص من المظالم، فقلب ذاكر الموت سليم على إخوانه، يقبل من محسنهم، ويعرض عن مسيئهم، فقال بعض السلف “من أكثر من ذكر الموت أكرم بثلاثة أشياء تعجيل التوبة، وقناعة القلب، ونشاط العبادة، ومن نسي الموت عوقب بثلاثة أشياء تسويف التوبة، وترك الرضا بالكفاف، والتكاسل في العبادة”
فيجب علينا أن نتفكر في الموت وسكرته، وصعوبة كأسه ومرارته، فكيف بك إذا دس بدنك في جوف الأرض، وتسابق أبناؤك ومحبوك بحثيي التراب عليك، ثم يفارقونك بلا أنيس، ولا صاحب جليس، لم يبق معك إلا عملك فأنت الرابح وأنت الخاسر، فإننا نحتاج حاجة عظيمة إلى التمعن والتفكر في هذه المسألة لأنها أساس التقوى، ولب العمل الصالح، وهي دافع مهم من الدوافع على القدوم على الله عز وجل بأعمال صالحة، إذا فكر الإنسان في الميت، يفكر كيف قد سالت العيون، وتفرقت الخدود، مساكين أهل القبور، عن يمينهم التراب، وعن يسارهم التراب، ومن أمامهم التراب، ومن خلفهم التراب، كانوا أهل الدور والقصور فصاروا أهل التراب والقبور.
كانوا أهل النعمة فصاروا أهل الوحشة والمحنة، قد سالت العيون، وصدأة الجفون، وتقطعت الأوصال، وبطلت الآمال، وصار الضحك بكاء، والصحة داء، والبقاء فناء، والشهوة حشرات، والتبعات زفرات، فما بيدهم إلا البكاء والحسرات، نفدت الأعمار وبقيت الأوزار، لسان حالهم يقول حسرتنا أن ندرك وقتا نصلي فيه ركعتين، وأنتم تقدرون وهم لا يقدرون، ما حال أزواجهم؟ ما حال أيتامهم؟ ما عاقبة أموالهم؟ الأعمال قد انقطعت، والحسرات قد بقيت، والأموال قد فنيت، والأزواج قد نكحت، والدور قد خربت، فقال أحد السلف كلنا قد أيقن بالموت وما نرى له مستعدا، وكلنا قد أيقن بالجنة وما نرى لها عاملا، وكلنا قد أيقن بالنار وما نرى لها خائفا.
فعلى ما تفرحون؟ وما عسيتم تنتظرون؟ وإن من العلامات التي تشير إلى موت الإنسان وتجب له الأحكام الخاصة بالأموات، ميل الأنف، وتمدد جلدة الوجه، وشخوص البصر، وانفراج الشفتين، وتقلص الخصيتين وتدلي جلدتيهما، وانخساف الصدغين، وانقطاع النفس، وانفصال الزندين، وسقوط القدمين، أما علامات اقتراب الموت ضيق الصدر والحشرجة للمريض، والغرغرة التي وردت في قول النبي صلى الله عليه وسلم ” إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر” وعن أبي هريرة رضى الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “أكثروا ذكر هادم اللذات الموت، رواه الترمذي، والنسائي.