فأصابتكم مصيبة الموت ” جزء 9″ 

الدكرورى يكتب عن فأصابتكم مصيبة الموت ” جزء 9″ 

بقلم / محمـــد الدكـــرورى

فأصابتكم مصيبة الموت ” جزء 9″

ونكمل الجزء التاسع مع فأصابتكم مصيبة الموت، وعن بريدة رضي الله عنه قال ” كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أمّر أميرا على جيش أو سرية أوصاه في خاصته بتقوى الله ومن معه من المسلمين خيرا ثم قال “اغزوا بسم الله في سبيل الله قاتلوا من كفر بالله اغزوا ولا تغلوا ولا تغدروا ولا تمثلوا ولا تقتلوا وليدا، وإذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى ثلاث خصال فأيتهن أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم” رواه مسلم، وبمثل هذه الوصية نعرف سمو الجهاد في شريعة رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم وأهدافه النبيلة، فأين هذا من الذين ينتقدون الجهاد في الإسلام في حين تسمح لهم نفوسهم بصناعة قنابل هيدروجينية أو جرثومية تقتل في ثوان معدودة مئات الآلاف من البشر ؟

وإن أحكام الإسلام هي الحكم على الناس وليست أفعال الناس هي الحكم على الإسلام، فقد يتصرف بعض المسلمين تصرفات ليست من الإسلام في شيء، فلا يجوز من باب الإنصاف أن يُعمم هذا التصرف على الإسلام أو على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن الرحمة رقة في القلب، تستلزم العطف بكل كائن حي، وهي خُلق يدل على نبل الطبع، وسمو الروح، وصفاء النفس، ونقاء المعدِن، وكمال المروءة، وعلو الهمة في الإنسان، تجعله يرق لآلام الناس، ويسعى لإزالتها جهد استطاعته، ويتألم لأخطائهم، فيتمنى لهم الهدى، وديننا الحنيف أمر بالتراحم العام، وجعله من دلائل الإيمان الكامل فالمسلم التقى يلقى الناس وفي وجهه إشراق وانبساط، وفي قلبه حب وعطف.

وفي معاملته لين ويسر، فهو يرحب بهم، ويخفف عنهم ما عساه أن يكون قد ألمّ بهم من صروف الدهر، ويتعاون معهم على فعل الخير وعمل البر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “لن تؤمنوا حتى تراحموا” قالوا يا رسول الله، كلنا رحيم، قال “إنه ليس برحمة أحدكم صاحبه، ولكنها رحمة العامة” وإن الإنسان يرق لأولاده حين يراهم، ويهش لأصدقائه حين يلقاهم، وذلك أمر يشيع عند الكثيرين من الناس، غير أن المفروض في المسلم أن تكون دائرة رحمته أوسع، لا سيما بالنسبة للضعفاء من خلق الله لكي يكون جديرا برحمة الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” من لا يرحم الناس لا يرحَمه الله، ومن لا يغفر لا يُغفر له”

وقال عليه الصلاة والسلام “من لا يرحم من في الأرض، لا يرحمه من في السماء” والرحمة تجعل المسلم مرهف الحس، رقيق المشاعر، وتباعد بينه وبين غيره من الكائنات، التي تعج بها الحياة لأن تبلد الحس يهوى بالإنسان إلى منزلة الحيوان الأعجم، ويسلبه خير ما فيه، وهي العاطفة الحية، النابضة بالحب والرأفة، بل إن الحيوان والطير قد تجيش فيه مشاعر مبهمة تعطفه على ذراريه، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول “جعل الله الرحمة مائة جزء، فأمسك عنده تسعة وتسعين جزءا، وأنزل في الأرض جزءا واحدا، فمن ذلك الجزء تتراحم الخلائق حتى ترفع الدابة حافرها عن ولدها خشية أن تصيبه”

وروى أبو داود في سننه عن عبدالرحمن بن عبدالله عن أبيه قال “كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، فرأينا حُمّرة، معها فرخان لها، فأخذناهما، فجاءت الحُمّرة تضرب بجناحيها من أجل فرخيها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “مَن فجّع هذه بولدها؟ رُدّوا ولدها إليها” ومن ثم كانت القسوة ارتكاسا بالفطرة، لا إلى منزلة البهائم، بل إلى منزلة الجمادات التي لا حسّ فيها ولا حركة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “إن أبعد الناس من الله تعالى القاسي القلب” والرحمة في أفقها الأعلى، وامتدادها المطلق صفة من صفات الله عز وجل فإن رحمته شملت الوجود، وعمّت الملكوت، فحيثما أشرق شعاع من علمه المحيط بكل شيء، أشرق معه شعاع الرحمة الغامرة.