الدكرورى يكتب عن طالوت وجالوت ” جزء 11″
بقلم / محمـــد الدكـــرورى
طالوت وجالوت ” جزء 11″
ونكمل الجزء الحادى عشر مع طالوت وجالوت، فقال طالوت لغلامه هيا بنا نعود أدراجنا، فإني أعتقد أن القلق استولى على أبي، وأخشى أن يهمل الأتان فيخرج للبحث عنا، قال الغلام إنا الآن قد وصلنا إلى أرض صوف موطن النبى صمويل، وهو فيما قيل عنه أنه نبي يأتيه الوحي وتهبط عليه الملائكة، هلم إليه نستوضحه بشأن الأتان لعلنا نستضي برأيه، أو نهتدي بوحيه، فارتاح طالوت لهذا الرأي، وتجدد لديه الأمل بأن يجد الأتان، ولقيا في طريقهما إلى صمويل فتيات خرجن يستقين الماء، فطلبا إليهن أن يرشدهما إلى نبي الله صمويل، فقلن لهما إن الشعب ينتظره فوق هذا الجبل، وهو يوشك الآن يجيء، وبينما هما في الحديث معهن إذ طلع صمويل يفوح منه رائحة النوبة.
وتحدث ملامح وجهه عن نبي كريم ورسول أمين، والتقت عينا طالوت بصمويل فتعارفت أرواحهما، واتصلت نفوسهما، ووقع في قلب صمويل أن هذا طالوت الذي أوحى الله تعالى إليه بتمليكه، وأعلمه بأنه يحمل أعباء الزعامة والسلطان، فقال طالوت إنني طلبتك يا نبي الله مستوضحا مسترشدا، إن لأبي أتنًا ضلت في شعاب هذا الوادي، وقد خرجت في إثرها مع هذا الغلام نتعرف الطريق ونقفو الأثر، فما ظفرنا بعد ثلاث إلا بخيبة، وما عندنا إلا بكواذب الآمال، وقد جئناك لعل فيضا من علمك يهديننا إليها أو يدلنا عليها، فقال نبى الله صمويل أما الأتان فهي في طريقها إلى أبيك، فلا تربط قلبك بها، ولا تعلق جبال ذهنك فيها، ولكني أدعوك لأمر أجل خطرا وأعظم قدرا.
إن الله قد اختارك على بني إسرائيل ملكا، تجمع كلمتهم، وتحزم أمورهم، وتخلصهم من أعدائهم، وسيكتب الله لك إن شاء الله النصر، ولأعدائك الكبت والخذلان، قال له طالوت ما أنا والملك والرياسة والزعامة والسلطان؟ أنا من أبناء بنيامين آخر الأسباط ذكرا، وأقلهم مالا، فلكيف أصبر إلى الملك أو أمسك بحبال السلطان؟ فقال نبى الله صمويل له هذه إرادة الله ووحيه وأمره وكلمته، فاشكر له هذه النعمة، واجمع رأيك على الجهاد، وأمسك بيد طالوت وقف به على القوم، يقول إن الله قد بعث لكم طالوت هذا ملكا له حق الرياسة والسلطان، وعليكم الطاعة والإذعان، فأجمعوا أموركم، واستعدوا للقاء عدوكم، فذهلوا لذلك لقلة ماله وسوء الحال، وأنه ليس له ذكر، فزموا بأنوفهم.
وقالوا كيف يكون له الملك علينا؟ فلا نسبه عريق، ثم كيف تولى علينا رجل فقير ونحن لدينا ثروة وجاه وسطوة؟ وما يجدي النسب لمن لا يعرف من تصريف الأمور شيئا؟ وما يغني المال من لا يفهم في سياسة الجيوش حولا ولا طولا؟ ولكن هذا طالوت فضله الله عليكم لما فيه من الكفاية والقدرة، وأنتم ترونه رجلا بسط الله في جسمه وزاده عقلا حكيما، بصير بالحروب، خبير بمواطن الكفاح، وفوق هذا وذاك فهذا اختيار الله له، والله يؤتي ملكه من يشاء، وما كان يليق بكم، وقد اختار لكم أن تكون لكم الخيرة من أمركم أو النفرة من جانبكم، عند ذلك قالوا أما إذا قضى الله بشيء أو صدر عنه أمر أو نهي فلا معقب لحكمه، ولا معدل عن أمره، ولكن هات لنا آية نعرف بها أمره ونعلم قضاءه.
فقال صمويل إن الله قد علم لجاجكم وعنادكم، فجعل لكم علامة وآية أن تخرجوا إلى ظاهر المدينة، فتروا التابوت الذي ذللتم بعد ذهابه، ولقيتم الخسف والهوان بعد ضياعه، قادما إليكم وفيه سكينة لكم تحمله الملائكة، وفي ذلك آية لكم إن كنتم مؤمنين، وخرجوا كما واعدهم فوجدوا التابوت، ونزلت عليهم السكينة، وصحت عندهم العلامة، فبايعوا طالوت وأقروا له بالملك والسلطان، واضطلع طالوت بالملك، وأحسن قيادة الجنود، وأظهر حزما وعزما وفطنة وذكاء، قال يا قوم لا ينتظمن جيشي إلا من كان خاليا من الهواجس، فارغا من الصوارف، فلا يدخل من كان قد شرع في بناء لم يتمه، أو خطب عروسا ولم يبنى بها أي لم يدخل بها، أو له تجارة وعقله مشغول بها.