طالوت وجالوت ” جزء 12″

الدكرورى يكتب عن طالوت وجالوت ” جزء 12″

بقلم / محمـــد الدكـــرورى

طالوت وجالوت ” جزء 12″

ونكمل الجزء الثانى عشر مع طالوت وجالوت، أو خطب عروسا ولم يبنى بها أي لم يدخل بها، أو له تجارة وعقله مشغول بها، فلما تم له ما أراد وكون جيشا متلاحما أراد أن يتحوط لنفسه بعدما بدا له منهم الشك في أمره والجدل حول تمليكه، فأراد أن يختبرهم مخافة أن يخذلوه ساعة اشتباك القنا أي الرماح في الحرب، أو يفروا حين الزحف وتقابل الأقران، فقال إنكم ستلقون نهرا، فمن كان صابرا محتسب فلا ينهل إلا بمقدار ما يبرد كبده، ويبل ريقه، وأما من خالف أمري فليس مني ولا تسكن إليه نفسي، فوقع ما خافه طالوت، فقد شربوا منه إلا قليلا منهم، هم الصابرون المؤمنون المخلصون المجاهدون، وأصبح الجيش أوزاعا أي فرقا، من ضعفاء العزيمة وخائريها.

ومن صادقي النية وكاذبيها، ولكنه صابر المترددين وخرج بالجميع للقاء العدو مجاهدا في سبيل الله، ولما خرجوا لقتال عدوهم فإذا هم رجال أشداء جاؤوا لخوض الحرب وغمراتها، ويفوقونهم عدة مرات، يقودهم جالوت شُجاعهم يصول بينهم، فانقسم أصحاب طالوت إلى شعبتين، شعبة منهم خار عودهم وانخلع فؤادهم وتخاذلت قوتهم وقالوا كما جاء فى سورة البقرة ” لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده” وشعبة منهم ظلت صابرة صامدة، وهم الذين عمر قلوبهم الإيمان، وقالوا لطالوت امضِ لشأنك، واستعدوا للموت، ولم تزعجهم كثرة أعدائهم وقالوا كما جاء فى سورة البقرة ” كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين” وعندما خرج طالوت بجنوده وزادهم الإيمان.

وتوجهوا إلى الله تعالى طالبين منه النصر والعزة والتمكين، وأنه لما التقى الجمعان، وحمي وطيس القتال، واشتدت الحرب، برز جالوت يدعو للمناجزة والمبارزة، فخاف الباقون بطشه، وهابوا صولته، وكان في جيش طالوت داود عليه السلام الذي كان أبوه يقيم في بيت لحم وكان شيخا كبير السن وله أبناء، فلما وقعت الحرب واستنفر طالوت بني إسرائيل للجهاد، وانتخب ذلك الرجل من كبار أبنائه، ثم قال لأصغر أبنائه لا تقرب ساحة الحرب، فلست من رجالها وفتيانها، وكان ذلك الغلام هو داود عليه السلام، وكان مع حداثة سنه وضيء الطلعة، أبلج الغرة، متسعر الذكاء، له قلب متوقد بين الجوانح، سار مع إخوته إلى ساحة القتال، حتى وجد رجلا راعه أنه عملاق طاغية يتحدى.

ولكن الشجعان تخشاه، فسأل عنه فقيل له هذا جالوت رئيس الأعداء وزعيمهم، وما برز إليه شخص إلا ردّه جريحا، وقد جعل طالوت جزاء لمن يقتله ويقي المؤمنين كيده وشره أن يزوجه إحدى بناته ويوليه الملك من بعده، فثارت الحفيظة في نفس داود، وهاجت الحمية في قلبه، فذهب إلى طالوت وطلب منه الإذن في منازلة جالوت، لعل مصرعه يكون بيديه، فاستصغر طالوت شأنه، وخاف عليه وطلب إليه أن يترك الأمر لمن عساه أن يكون أكبر سنا وأقوى جسما وأمضى عزما وأجمع قلبا، ولكن قال داود لا يخدعنك ما تراه من صغر سني، عن حرارة الإيمان التي تجيش في صدري، ونار الحنق التي تلتهب في قلبي، ولقد هجم بالأمس القريب أسد على غنم أبي فعدوت وراءه.

حتى أصبته فقتلته، وصادفني دب فنازلته ثم أرديته، والعبرة بقوة النفس لا بكبر السن، وبمضاء العزم لا بضخامة الجسم، ورأى طالوت في لهجته الصدق والحزم والعزم في نيته فقال له دونك ما تريد والله حافظك وهاديك، ثم ألبسه ثيابه وقلده سيفه وتوجه خوذة فوق رأسه، ولكن داود لم يكن قد لبس الدرع ولا عالج السيف، فناء بما حمل، وثقل عليه ما اشتمل، فخلع كل ذلك واحتمل عصاه واحتقب مقلاعه، واصطحب أحجارا ملسا وتهيأ للخروج، فقال له طالوت كيف القتال بالحبل والمقلاع وهذا مقام السيف والنشاب؟ قال داود إن الله الذي حماني من أنياب الدب ومخالب السبع سيمنع عني بلا شك ما يريد لي هذا الطاغية من كيد أو نكال، وخرج داود في حزم وفي أمنع حرز وهو صدق الإيمان.