طالوت وجالوت ” جزء 14″

الدكرورى يكتب عن طالوت وجالوت ” جزء 14″

بقلم / محمـــد الدكـــرورى

طالوت وجالوت ” جزء 14″

ونكمل الجزء الرابع عشر مع طالوت وجالوت، وفي هذا تعليم لكل مسلم أن عطاءات الله لا يملكها إلا هو، ولذلك لا فضل لأحد على أحد، فما علينا إلا أن نستشعر هذا المعنى حتى تعيش القلوب في راحة وطمأنينة، وأن الله ذكر لنا صفات الحاكم الصالح وذلك عندما تحدثت الآيات عن طالوت وأن الله عز وجل أعطاه بسطة في العلم والجسم، وهكذا يكون الحاكم الصالح، فلابد أن تتوافر فيه مؤهلات تؤهله للحكم وقيادة المسيرة، وأن الابتلاء سنة إلهية، فحين خرج طالوت مع بني إسرائيل، فقد تعرض لابتلاءات ومواقف اختبار، قد غربلت جيش طالوت، وهنا برزت الفئة المؤمنة القليلة المختارة, ذات الموازين الربانية, والابتلاء صفة من صفات المؤمنين.

والصبر عليه خلق من أخلاقهم، وقد أخبرنا ربنا سبحانه وتعالى بهذا الابتلاء في آيات كثيرة، وأن هذه القصة أظهرت طبيعة اليهود واعتراضهم على أمر الله تعالى ومن ثم أمر نبيه، وطلباتهم المتكررة، وأن النصر يأتي بعد الصبر والثبات والتحمل، وقبلها إخلاص النية لله تعالى، فقال ابن كثيررحمه الله كان بنو إسرائيل على طريق الاستقامة مدة من الزمان، ثم أحدثوا الأحداث، وعبد بعضهم الأصنام، ولم يزل بين أظهرهم من الأنبياء من يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويقيمهم على التوراة، إلى أن فعلوا ما فعلوا، فسلط الله عليهم أعداءهم فقتلوا منهم مقتلة عظيمة، وأسروا خلقا كثيرا، وأخذوا منهم بلادا كثيرة، بل واستلبوا منهم التابوت الذي هو موروث نبى الله موسى.

وأخذوا التوراة من أيديهم ولم يبق من يحفظها فيهم إلا القليل، وبعد زمن طويل انتفضت فيهم العقيدة من جديد، فطلبوا من نبي لهم أن يختار لهم ملكا يقودهم إلى المعركة مع أعداء دينهم، الذين سلبوا ملكهم وأموالهم ومعها موروثات أنبيائهم من أل موسى وآل هارون، وهكذا كان نبى الله داود كان فتا صغيرا من بني إسرائيل، وجالوت كان ملكا قويا وقائدا مخوفا، ولكن أراد الله تعالى أن يجعل مصرع ذلك الجبار الغشوم على يد فتى صغير ليرى الناس أن الجبابرة الذين يرهبونهم ضعاف ضعاف يغلبهم الفتية الضغار حين يشاء الله أن يقتلهم، وقد قال ابن كثير رحمه الله “وكان طالوت قد وعده إن قتل جالوت أن يزوجه ابنته ويشاطره نعمته، ويشركه في أمره، فوفى له.

ثم آل المُلك إلى داود وورثه ابنه سليمان، وكان ذلك العهد هو العهد الذهبي لبني إسرائيل في تاريخهم الطويل، جزاء انتفاضة العقيدة في نفوسهم بعد الضلال والانتكاس والشرود” وبمثل تلك الفئة ينتصر المؤمنون، تلك الفئة التي تحس أن ميزان القوى ليس في أيدي الكافرين، إنما في يد الله وحده، فتطلب منه النصر، وتناله من اليد التي تملكه وتعطيه، وهكذا تتغير التصورات والموازين للأمور عند الاتصال بالله تعالى حقا، وهكذا يثبت أن التعامل مع وعد الله عز وجل الواقع الظاهر للقلوب أصدق من التعامل مع الواقع الصغير الظاهر للعيون، وإن القصص التي قصّها الله تعالى علينا في كتابه الكريم لم تذكر للتسلية والمتعة، وإنما ذكرت للعظة والعبرة والانتفاع منها.

بما يقرب الناس إلى ربهم سبحانه وتعالى ويستلهمون منها طريق النجاة، فبالقصص القرآنية يعظ الله تعالى بها عباده ويذكر ويحذر وينذر ويرغب ويبشر ويحرك الوجدان ويثير المشاعر في نفوس العباد ويوقظهم من غفلتهم عن الآخرة ويفيقهم من سكرات الدنيا وزينتها، وصدق الله إذ قال ” وذكرهم بأيام الله ” ومن تلك القصص العظيمة، ما قصه سبحانه وتعالى علينا في ثنايا سورة البقرة، وهذه قصة الملأ من بني إسرائيل وهم الأشراف والرؤساء، وخص الملأ بالذكر، لأنهم في العادة هم الذين يبحثون عن مصالحهم ليتفقوا فيتبعهم غيرهم على ما يرونه، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول “كان بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء، كلما هلك نبي خلفه نبي، وإنه لا نبي بعدي”