الدكرورى يكتب عن طالوت وجالوت ” جزء 15″
بقلم / محمـــد الدكـــرورى
طالوت وجالوت ” جزء 15″
ونكمل الجزء الخامس عشر مع طالوت وجالوت، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول “كان بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء، كلما هلك نبي خلفه نبي، وإنه لا نبي بعدي” وهذا يدل على أن أعظم أمة من الأمم إرسالا للنبوة هم بنو إسرائيل، والله عز وجل خصهم بأنبياء لم يخص قوما غيرهم، ومع هذا فهم يؤثرون الضلال، ويؤثرون الحيرة والتيه، بل هم الذين فعلوا بأنبيائهم الأفاعيل، أقاموا عليهم فقتلوهم وضربوهم وآذوهم، بل وحملوهم على الهجرة من بلاد إلى بلاد أخرى، فعلوا ما لم تفعل أمة بنبيها، وهذا منتهى الفساد في الأرض، فمحاربة الأنبياء والمرسلين إنما هي فرع عن محاربة الله تبارك وتعالى.
وقد ذكر الله عز وجل قصصا لبني إسرائيل في القرآن الكريم، وما أكثرها، نجتزئ منها هذ القصة لنأخذ منها العبرة والعظة، وإن هذه القصة فيها عبرة عظيمة جدا، فهي تحكي واقع المسلمين اليوم، فقوله صلى الله عليه وسلم “كان بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء” أي يرسل الله تبارك وتعالى في بني إسرائيل نبيا تلو نبي، بل ربما أرسل عدة أنبياء في وقت واحد، وفي مكان واحد، كما أرسل إلى بني إسرائيل موسى وهارون عليهما السلام، وكما أرسل إلى بني إسرائيل داود وسليمان عليهما السلام، وغير ذلك من الأنبياء، فالله عز وجل كان يرسل العدد من الأنبياء في بني إسرائيل في الوقت الواحد، للقيام بأعمال بني إسرائيل، وهدايتهم إلى الطريق المستقيم.
والدلالة على الله عز وجل، ولكنهم أعرضوا وجحدوا في كل مرة، ومع كل نبي، وقال وهب بن منبه عليه رحمة الله، كانت بنو إسرائيل فترة من الزمان على الطريق المستقيم، وعلى تعاليم نبى الله موسى عليه السلام، حتى فعلوا فعلتهم المنكرة، ولم يذكر أي فعلة منكرة، وفعالهم المنكرة لا تكاد تقع تحت حصر، ولكنهم لعلهم ارتكبوا فعلة عظيمة أعظم من كل ما يمكن أن نتصوره، فضرب الله عز وجل عليهم الذلة والهوان، وكانوا من قبل لا يحاربون جيشا إلا غلبوهم وانتصروا عليهم، ولكنهم لما فعلوا فعلتهم، ما قام عليهم أحد إلا قتلهم، حتى شردهم ملك ظالم من ملوك المشركين في الأرض شرقا وغربا، ثم اجتمعوا في أرض فلسطين.
على المسلم أن يهتم بما ينفعه من أمور دينه ودنياه، وأن يتمسك بمنهج أهل السنة والجماعة ، وهو ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم ، وقد حذر العلماء من سماع كلام أهل البدع وقراءته ، حتى لا يتزعزع الإيمان في قلب المسلم وتدخله الشبهات ، لاسيما إذا كان المسلم قليل العلم، فإنه يتأكد عليه البعد عن كلام أهل البدع وعدم الدخول إلى مواقعهم، حتى يسلم له دينه، ويبتعد عن الشبهات التي يثيرونها، فالنصيحة لك أن تكف عن الدخول على هذه المواقع الزائغة، التي تلقي قلبك الشبهات، وأن تكتفي بالدخول على مواقع أهل السنة والجماعة، التي تتعلم منها ما يفيدك وما تحتاج إليه من الأحكام الشرعية، ولكن على المسلم الواعي الذي يحرص على ما ينفعه يبدأ بنفسه ويصلح ذاته، وكل ما لا يعنيه لا يغنيه.
فقال صلى الله عليه وسلم “مِن حُسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه” ومَن ترك ما لا يعنيه وانشغل بما يعنيه حسن إسلامه، وتفرّغ لأولوياته، وارتقى بأعماله، وصفّى نفسه وأخلاقه ولسانه، بل يكون على نفسه رقيبا، ولسلوكه حارسا، ويتعامل مع نفسه بصدق وإنصاف، وإن النجاح في الحياة مطلب كل إنسان، والسعادة مقصده ومراده، وإليهما تسعى النفوس وتميل القلوب، وقد رسم لنا النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، ثلاثية النجاح والسعادة في الدنيا والآخرة، بحديث غزير الفوائد، عظيم المنافع، بقوله صلى الله عليه وسلم ” احرص على ما ينفعك، واستعن بالله، ولا تعجز”