عامٌ مطوي على رحيل العصامي محمود العربي !!
بقلم الإعلامي أحمد العش
عامٌ مطوي على رحيل العصامي محمود العربي !!
مر عام بتمامه وكماله على رحيل شهبندر التجار محمود العربي ( 10 سبتمبر 2021م) ، لتخرج من عبق ذكراه الأولى نسائم طيبة ومآثر خالدة، ترفعه في مصاف الفضلاء الأخيار، الذين تلهج بسيرهم المجالس ويبتهج بهم كل تواق رواق للعصامية النزيهة، متأففاً من العظامية البغيضة، وقد مات قوم منهم محمود العربي، وما ماتت مكارمهم وعاش قوم وهم في الناس أموات …
قالها الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله لسجانه يوماً قل للخليفة ولأهل البدع بيننا وبينكم يوم الجنائز، فشيعه يوم موته اثنتين ونصف مليون مشيع…
ويكأن مقولة أحمد بن حنبل تدوي نبراساً لكل من أراد لذاتيته تاريخاً منحوتاً، ولخاتمته مقاماً مشهوداً ،…
ولأن جواب الشرط يقتضي أداة الشرط، بأن عظمة المشهد الجنائزي يُقترن بشهرة الميت، فإن هذه القاعدة قليلاً ما تُستثنى في أطوار الزمن، والاستثناء هنا ذلك الرجل الذي شيعت جنازته اليوم، وكانت من نوادر الجنائز في تاريخ مصر، فهو الرجل الذي سبقته شهرةً شركاته ومؤسساته، وسبقت كذلك قريته النائية بمحافظة المنوفية…
عرف الناس محمود العربي يوم موته فقط، لكنهم عرفوا وحفظوا اسم توشيبا العربي وشارب لنحو أربعين سنة ونيف…
محمود العربي الذي مات أمس عن عمر ٨٩ سنة ودُفن اليوم، ظل حبيساً عن الأضواء والشهرة بمحض إرادته ، حتى عندما خاض محك العمل السياسي كعضو مجلس الشعب عن دائرة السيدة زينب،؛،
إنه العصامي وليس العظامي، الذي تسلح بإرادة الذات فتذللت أمامه كل العقبات، فعُرف بين الخواص وليس العوام بشهبندر التجار…
استطاع محمود العربي مع إخوتيه محمد وعبدالجيد ، تدشين واحد من أعظم صروح الاقتصاد المصري والعربي والعالمي بسواعدهم فقط، ونجحوا عام ١٩٦٤م بإطلاق مجموعة توشيبا لتصنيع وتسويق الأجهزة المنزلية والإلكترونية، وكان محمود العربي قلب الشركة النابض وترمومترها وضابط إيقاعها…
غلبت على محمود العربي نزعة الكفاح ورغبة الطموح منذ أن كان ابناً لرجل يزرع الأرض ويأخذ أجره بالكاد، فشق العربي طريقه ببضاعة صغيرة ثمنها ٤٠ قرش ثم عمل بمحل بالموسكي ب١٢٠ قرش، وشيئاً فشيئاً اكتسب ثقته بذاته حتى خرجت على يديه واحدة من أكبر شركات البيزنس في مصر والعالم ( مجموعة توشيبا العربي).. التي يبلغ رأس مالها مليار ونصف المليار…
حصل محمود العربي على وسام الشمس المشرقة من الإمبراطور الياباني أكيهيتو عام ٢٠٠٩م، كنتيجة لتطوير العلاقات التجارية بين مصر واليابان..
وتحت رعاية محمود العربي وقيادته الرشيدة؛ تسللت منتجات العربي إلى ٢٢ دولة، وحققت عام ٢٠١٠م مبيعات ب٢٨ مليون دولار أمريكي..
ومن مآثره الإنسانية الوضاءة تأسيس مصنعين ببنها وقويسنا، على مساحة ٣٨٦ ألف متر، يستوعب كل منهما آلاف العمال من كل فج عميق…
عُين محمود العربي رئيساً لاتحاد الغرف التجارية عام ١٩٩٥م، وانتخب عضواً بمجلس الشعب، في تجربة لم تروقه ولم يقتنع بتكرارها، إيماناً منه بأن الدور الخدمي والإيثاري لا يقتضيان حصانة دبلوماسية أو وجاهة سياسية…
كفى محمود العربي أن يشيعه يوم موته أربعون ألف عامل في شركاته، ومثلهم من الذين يقتاتون على مساعداته الإنسانية الشهرية، ومثلهم ومثلهم من الداعين له أو المؤمّنين على الدعوات له….
نغبطه ولا نحسده
فاللهم اجعل خير أيامنا يوم أن نلقاك….