أهمية دراسة الحديث الشريف ” جزء 2″

الدكرورى يكتب عن أهمية دراسة الحديث الشريف ” جزء 2″بقلم / محمـــد الدكــــرورى

أهمية دراسة الحديث الشريف ” جزء 2″

ونكمل الجزء الثانى مع أهمية دراسة الحديث الشريف، وأن من آياته ما يجيء مطلقا فتقيده السنة، وما يجيء عاما فتخصصه السنة إلى غير ذلك من البيان، كبيانها للمراد من اليد في آية السرقة، وكبيانها لمن تصح له الوصية، ولمقدار ما يوصى به في آية الوصية، ولمن يكون حده الجلد إذا زنى في آية جلد الزاني، وما سوى ذلك من بيان ما يجب مراعاته والأخذ به عند النظر في الكتاب، ومما تقدم يتبين لنا كيف جاءت السنة مبينة للكتاب، وكانت لذلك تابعة له، دائرة في محيطه لا تخالفه ولا تخرج عنه، وذلك ما قد يدل على أنها لا تخالف الكتاب، ومن ثم لا تنسخه، وذلك ما ذهب إليه بعض العلماء وعلى رأسهم الشافعي رضي الله عنه فقد منعوا ذلك.

مخالفين ما ذهب إليه الجمهور من أن الكتاب قد نسخ بالسنة في بعض ما جاء به من الأحكام، استنادا منهم إلى أن آية الوصية وهي قوله تعالى ” كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقا على المتقين، فمن بدله بعد ما سمعه فإنما إثمه على الذين يبدلونه إن الله سميع عليم ” قد نسخت بقوله صلى الله عليه وسلم “لا وصية لوارث” وإلى أن آية جلد الزاني، وهي قوله تعالى ” الزانية والزانى فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلده ولا تأخذكم بهما رأفة فى دين الله ” وقد نسخت بأحاديث الرجم في المحصن، وغير ذلك مما لا يرى فيه هؤلاء المانعون دليلا لهم فيه على جواز نسخ السنة للقرآن ولا على وقوعه.

إذ الواقع أنه لا نسخ في هذه الآيات، وذلك ما ذهب إليه كثير من العلماء كالشافعي وأكثر أصحابه، وكثير من الأصوليين، وهو مذهب أهل الظاهر ورواية عن أحمد، وقد يكون هذا هو رأي أكثر من ذهب إلى جواز نسخ القرآن بالسنة من الناحية العقلية لا الواقعية، ذلك لأن من ذهب إلى جواز ذلك إنما جوزه مشترطا أن يكون الناسخ من السنة متواترا، وتحقق التواتر في الأخبار أمر لا يكاد يوجد، وفيه من الشك والاختلاف ما يقضي بعدم وجوده، وعلى ذلك فليس يوجد بالسنة ما يصلح ناسخا للقرآن، ويكون البحث في هذه المسألة بحثا في غير واقع، أو نادر الوقوع، ولا كبير جدوى فيه، كما قال الشاطبي، وأما من ذهب من الفقهاء إلى إلحاق المشهور من السنة بالمتواتر.

في جواز نسخ القرآن به، وهو ما نسب إلى الحنفية، فذلك مذهب بعيد عن الصواب، والمسألة مفصلة في عمل الأصول فيرجع إليها من يشاء، ونتيجة لما تقدم يتبين سلامة ما قررنا من أن السنة تابعة للكتاب، وأنها في درجة أدنى من درجته، وأنها ترجع دائما في معناها، وفيما تأتي به إلى الكتاب وأصوله، وأنها مبينة له، تفصل مجمله، وتبين مشكلة، وتقيد مطلقة، وتخصص عامه، ولا تأتي بشريعة جديدة إلا كان القرآن دالا عليها دلالة إجمالية، وذلك ما يشير إليه قوله تعالى ” ما فرطنا فى الكتاب من شيء ” وقوله تعالى ” ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين ” وعلى هذا فما يجيء من الأخبار معارضا للقرآن لأصوله وأحكامه يجب رده.

وتقديم القرآن عليه، إذ إن ذلك من أوجه الطعن في الخبر المسقطة له كما قرر ذلك علماء الحديث، ومن أجل ذلك أمر الله بطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم، وكان أمره بذلك على أوضاع مختلفة، وبأساليب متعددة، وبدلالات عديدة، وثقت هذا الأمر، وأكدت هذا الوجوب، وعززت هذا الطلب، فجاء أمره صريحا في كثير من الآيات، بل إنه سبحانه وتعالى قد جعل من لوازم الإيمان أنهم إذا كانوا معه على أمر جامع لا يذهبون مذهبا إلا بإذنه، فقال الله تعالى ” إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله وإذا كانوا معه على أمر جامع لم يذهبوا حتى يستأذنوا” والآيات في ذلك عديدة والآثار كثيرة، فليس في وجوب امتثال أمره صلى الله عليه وسلم بعد الذي ذكرنا محل ريبة مرتاب.