الدكرورى يكتب عن أهمية دراسة الحديث الشريف ” جزء 3″
بقلم / محمـــد الدكــــرورى
أهمية دراسة الحديث الشريف ” جزء 3″
ونكمل الجزء الثالث مع أهمية دراسة الحديث الشريف، فليس في وجوب امتثال أمره صلى الله عليه وسلم بعد الذي ذكرنا محل ريبة مرتاب، ولا شك متردد، وعلى هذا كانت السنة هي الأصل الثاني من أصول الدين، والمصدر الثاني من مصادر الأحكام الشرعية، وكان ذلك وضعها في حياته صلى الله عليه وسلم وبعد وفاته، ولا تزال على ذلك إلى يومنا هذا، وستظل كذلك إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وهو خير الوارثين، ولقد وجد الإمام أبو بكر الأبهري أن في موطأ مالك أكثر من سبعين حديثا، فترك مالك نفسه العمل بها مع روايته لها، وبناء على ذلك فإنا نريد أن نعمد إلى ما وجه من شبه ومطاعن إلى السنة جملة من حيث روايتها، وما وجه من طعون إلى حجيتها.
لا بالنظر إلى حديث معين فنبين زيف ذلك وبطلانه، أما ما وجه من ذلك إلى حديث معين أو إلى سند معين، أو راوى معين، فذلك من الموضوعات الجزئية التي تتعدد بتعدد متعلقها، ولا يعد ما تحويه من شبه ومطاعن موجها إلى السنة النبوية من حيث إنها أصل من أصول الأحكام الشرعية واجب التطبيق، وما كان من ذلك فقد وضعت فيه كتب ورسائل مستقلة منها المطول ذو الإطناب، ومنها المختصر ذو الإيجاز، وذلك لما قصد منه من درء ما يوجه الآن إلى السنة من شبه من حيث إنها أصل وحجة في الدين، ولا يجوز خلافها، وما وجه إلى روايتها من حيث إنها طريق سليم لنقلها إلينا كما صدرت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفيما يأتي لما وجه إلى السنة النبوية من شبهات وشكوك في العصر الحاضر، وسنرى أن منه ما يتعلق برواية السنة.
ومنه ما يتعلق بوجوب العمل بها على وضع دائم لا يتغير بتغير الزمن، ولا يختلف باختلاف الأمم، وأما عن ما وجه إلى روايتها، فقد ذكرنا أن وجوب العمل بالحديث منوط بصحة نسبته، إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يقينا أو ظنا فما صحت نسبته إليه صلى الله عليه وسلم على سبيل القطع، كالحديث المتواتر، أو ظنا كالحديث الصحيح من الآحاد، وجب العمل بمقتضاه، وحرمت مخالفته، وما لم يتحقق فيه ذلك لم يجب العمل به، وقد كانت عناية رجال الحديث بالسند ورجاله في سبيل توثيقهما والحكم على الحديث بصحة نسبته أو بعدم صحتها، عناية فائقة، لم يجد معها المغرضون ولا الناقدون أية ثغرة ينفذون منها إلى توجيه أي نقد ينال من الأسس والقواعد .
التي وضعت لوزن الأسانيد ورجالها، وما بني على ذلك من أحكام كان لها آثارها في الحكم على الحديث قوة وضعفا وقبولا وردا، كما كان لها الأثر البالغ في التعرف على كثير من الأحاديث الموضوعة، وتمييزها من الأحاديث الصحيحة، وقد كانت هذه القواعد والأسس نتيجة بحث دائب في بيان حال الرواة وسيرتهم، وعمن أخذوا عنه، وعمن أخذ عنهم، ومن عاصرهم ومن لم يعاصرهم، وفي بيان من عرف منهم بالضبط، والحفظ، والاتفاق، والصدق، ومن كان منهم على خلاف ذلك من الكذب والوضع أو السهو، أو سوء الحفظ، أو التدليس، أو عدم الضبط، وفي بيان طرائق سماعهم وتحملهم، وذلك بحسب ما وصل إليه جهدهم، وانتهى إليه تحريهم وبحثهم.
ولم تصل أمة من الأمم،إلى ما وصلت إليه الأمة الإسلامية في ذلك من الدقة والتحقيق، وفي وضع الأسس والقواعد التي يبنى عليها الحكم على الأخبار وروايتها، ولهذا كان ما وجه من النقد إلى السنة النبوية من بعض المستشرقين أو الناقدين المغرضين أو غير المغرضين، ومن لف لفهم وخدع بأفكارهم موجها أكثره إلى ناحية المتن، فقد زعموا أن رجال الحديث لم يعنوا بالمتن عنايتهم بالسند، وأن ما وضعوه في سبيل الحكم على المتن من القواعد لم يكن كافيا لتمييز الصحيح من غيره، مما كان سببا في عدم التعرف على كثير من الأحاديث الموضوعة، واختلاطها بالأحاديث الصحيحة، وكان ذلك بناء على ما وصل إليه تحريهم وبحثهم في سلامة أسانيدها، وتوافر الثقة في رجالها.