الدكرورى يكتب عن أهمية دراسة الحديث الشريف ” جزء 6″
بقلم / محمـــد الدكــــرورى
أهمية دراسة الحديث الشريف ” جزء 6″
ونكمل الجزء السادس مع أهمية دراسة الحديث الشريف، بناء على أنه مخالف لما علم تاريخيا من أن شرعية الجزية لم تشرع إلا بعد فتح خيبر، وردوا بعض الأحاديث لمخالفتها للواقع، وذلك كحديث ” لا يولد بعد المائة مولود لله فيه حاجة” وحديث ” الباذنجان شفاء من كل داء” وردوا ما رواه غلاة الشيعة من أحاديث في فضل الإمام علي بن أبى طالب، وما رواه غلاة البكرية من أحاديث في فضل أبي بكر الصديق، لوجود الباعث السياسي على وضعها، وردوا كذلك حديث ” رمدت فشكوت إلى جبريل فقال أدم النظر في المصحف، لأنه لا يتفق مع البيئة التي قيل فيها، إذ لم يكن على عهده صلى الله عليه وسلم مصاحف، وكذلك ردوا أحاديث أخرى لوجود الباعث النفسي على وضعها كحديث.
” الهريسة تشد الظهر” ذلك لأن راويه كان ممن يصنع الهريسة، وردوا كذلك كثيرا من الأحاديث، لما فيها من عبارات واصطلاحات فقهية لم تكن معروفة على عهده صلى الله عليه وسلم والأمثلة من ذلك كثيرة قد أشير إليها في كتاب “نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية” للزّيلعيّ، وهكذا يرى أن كل ما زعم الناقدون استدراكه على علماء الحديث لم يغفلوه، بل راعوه وذهبوا إلى أبعد منه، غير أنه قد يلاحظ في هذه الضوابط وفي تطبيقها الأمور الآتية، أن كثيرا منها يقوم على تقدير الباحث وفهمه ونظره، وأنظار الناس متفاوتة، ومواهبهم مختلفة، وأحكامهم متباينة، وما لا يعقله فلان يعقله فلان آخر، ولهذا كانت أحكامهم على الأمور مختلفة.
أو على ذلك كان تطبيق هذه الضوابط على الأحاديث مختلف النتائج باختلاف أنظار من يقوم بتطبيقها، فركاكة المعنى في كثير من أحوالها مما يختلف فيه أنظار الباحثين يراها هذا في معنى من المعاني، بينما لا يراها الآخر فيه، وكذلك الحال في مخالفة الحديث لما تقضي به قواعد العلم أو تجارب الطب، بينما يراها شخص في حديث لا يراها الآخر فيه، أو مخالفته لما يقضي به العقل، فإن عقول الناس تختلف اختلافا بينا يستسيغ بعضها ما لا يستسيغه بعضها الآخر، ويجوز بعضها ما لا يجوزه بعضها الآخر، ويستبعد بعضها ما لا يستبعده بعضها الآخر، فبأي عقل يوزن الحديث؟ وأنى لعقل أن تكون له قوة وحكم عند صحة السند، والظن بصحة نسبته، وكذلك صدور الحديث.
من راوى تأييدا لرأيه المتعصب له المغالي فيه مما تختلف فيه الأنظار، وهذا ما يكشف عما في تطبيق هذه القواعد والضوابط من عيب ونقص، يؤديان في كثير من الأحوال إلى خلاف واضطراب، وأيضا أن استعمال هذه المقاييس والضوابط مشروط بألا يكون في تأويل الحديث تأويل سليم سائغ يحتمله، أو لا يكون في حمله على المجاز مخرج مِن تطبيقها، وبناء على ذلك إذا احتمل الحديث تأويلا يخرجه عن محيط ما تتناوله هذه القواعد لم يجز أن تطبق عليه، وكذلك إذا كان حمله على الاستعمال المجازي يبتعد به عن هذه الضوابط لم يجز أن تتناوله، وتأويل الحديث وقبوله للتأويل وجواز إرادة معنى مجازي منه مما يختلف فيه الناس، فيكون مقبولا سائغا عند شخص.
وغير مقبول عند آخر، وعلى ذلك يختلف الحكم على الحديث باختلاف الناس واختلاف أنظارهم، وأن تطبيق هذه القواعد يقوم على فهم الحديث فهما معينا يجعله من متناولها، وهذا مما يختلف فيه الناس أيضا، وتتفاوت فيه أنظارهم فقد يفهمه شخص فهما سليما غير مناقض للمعقول ولا للأصول المسلم بِها، ويفهمه آخر على غير هذا الوضع فيراه مخالفا للمعقول أو لما تقضي به الأصول، وأن الحديث إذا كان سليم السند يرويه الثقة عن الثقة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن صدوره عن النبي صلى الله عليه وسلم يكون أمرا راجحا، ورسول الله صلى الله عليه وسلم ليس كسائر الناس في علمه، وحكمته، وصلته بربه، ومعارفه، وذلك مما يستوجب ألا تكون مقاييس النقد.