الدكرورى يكتب عن أهمية دراسة الحديث الشريف ” جزء 7″
بقلم / محمـــد الدكــــرورى
أهمية دراسة الحديث الشريف ” جزء 7″
ونكمل الجزء السابع مع أهمية دراسة الحديث الشريف، ورسول الله صلى الله عليه وسلم ليس كسائر الناس في علمه، وحكمته، وصلته بربه، ومعارفه، وذلك مما يستوجب ألا تكون مقاييس النقد، فيما يصدر عنه مماثلة لمقاييس النقد في أحاديث غيره من الناس، فرسول الله صلى الله عليه وسلم يتلقى الوحي عن ربه، وقد أطلعه الله سبحانه وتعالى، على كثير من أسرار الغيب، مما لم يطلع عليه سواه، وأحاط بما لم يحط به إنسان من المعارف والأسرار، وذلك ما يقضي بأن يكون تفكيره فوق تفكير غيره من الناس، وبأن يعلو حكمه أحكام غيره من الناس، فيصدر منه من الأقوال والأحكام ما قد يعلو على أفهام الناس، وما لا تصل إلى معرفة كنهه وحقيقته عقولهم في عصر من الأعصر.
وما قد ينكشف سره بعد ذلك، وعلى ذلك فلا ينبغي أن يكون لهم مع قصور عقولهم سلطة الحكم على أقواله من ناحية سلامتها وصحتها، مما قد تعجز عقولهم عن فهمه ولا يصح أن يكون عدم فهمهم لقصر عقولهم، أو لضعف معارفهم دليلا على وضع الحديث، وبناء على ذلك إذا جاء الحديث متضمنا خواص بعض النبات مما لم يكشفه العلم، أو خبرا عن غيب سيقع في مستقبل الزمن، وما إلى ذلك مما لم يصل إليه علم الناس، فلا يجوز أن يتخذ ذلك دليلا على وضع الحديث، وإن لهذه الأسباب كان تطبيق علماء الحديث لهذه القواعد في نطاق ضيق، حيث تكون الضرورة قاضية بتطبيقها، وذلك عند تعذر التأويل الذي يمكن اتخاذه مخرجا، وعدم الوصول فيه إلى مخرج آخر.
يستساغ معه عدم التطبيق، وقد كان صنيعهم في هذا خاضعا كذلك لتقديرهم وأحكامهم، ومراعى فيه كذلك الاعتماد على صحة السند وسلامته، وما لذلك من أثر في اطمئنانهم إلى نسبة الحديث الشريف إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ومع هذا الاطمئنان يجب التسليم وانتفاء كل شك، وهذا لشعورهم حينئذ بقصور عقولهم، وقلة معرفتهم وعلومهم، لهذا كله كان تطبيقهم لهذه القواعد في حدود ضيقة كما قلنا، وكان مع ذلك محل خلاف بينهم تبعا لاختلاف أنظارهم، فاختلفت أحكامهم على بعض الأحاديث فكان ما يراه بعض العلماء صحيحا ويراه آخرون غير صحيح، وكان من نتيجة ذلك وجود بعض أحاديث كان وجودها في الصحاح مبعث النقد الذي أشرنا إليه.
ومما يجب ملاحظته أن هذا النقد لا يعدو أن يكون طعنا في أحاديث معينة معدودة أثبت الاستقراء أنها ليست في أصول الدين، ولا في قواعده وأحكامه الأساسية، ولا يعد عدم الاعتماد عليها أو تركها ما يتنافى مع وجوب العمل بالسنة الآحادية، لأن وجوب العمل بها كما بينا إنما يكون عند غلبة الظن بصحة نسبتها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لا عند الشك في نسبتها وما وضعه علماء الحديث من قواعد وضوابط لنقد السند والمتن كفيل عند تطبيقه تطبيقا سليما بتمييز صحيح السنة من غيره، وتمحيص السنة من جميع الأحاديث الموضوعة بالقدر الممكن، وعند ذلك يتميز ما ترجح الظن بصحة نسبته مما شك في صحة نسبته، وإذا ما تبين ذلك وجب العمل للقطع بوجوب العمل عند الظن.
وعلى ذلك فلا يعد هذا النقد طعنا في السنة ولا في وجوب العمل بها عند سلامة السند والمتن، إذ عند ذلك يكون الظن بصحة نسبتها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ظنا راجحا يوجب العمل بها، وأما عن وجه إلى حجيتها من شبهات، فقد أشرنا فيما سبق إلى ما جاء في الكتاب العزيز من الآيات الدالة على أن طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم واجبة في كل ما أمر به، وفي كل ما نهى عنه، وإلى أن دلالة هذه الآيات باجتماعها وأساليبها دلالة قاطعة، لا تقوم معها أية شبهة في وجوب هذه الطاعة، ولا في حجية هذه السنة فيما جاءت به من أحكام، وأن إنكار ذلك إنكار وتكذيب لما جاء به القرآن الكريم وأكده ووثقه، ولكن بعض الناس ممن خدعهم زيف المستشرقين والمبشرين قامت في أنفسهم آراء منحرفة.