أهمية دراسة الحديث الشريف ” جزء 9″

الدكرورى يكتب عن أهمية دراسة الحديث الشريف ” جزء 9″

بقلم / محمـــد الدكــــرورى

أهمية دراسة الحديث الشريف ” جزء 9″

ونكمل الجزء التاسع مع أهمية دراسة الحديث الشريف، وأما الموضوعات فقد كان لعلماء الحديث مجهودهم الدائب الذي لا ينكر في تعرفها وتمييزها وتخليص السنة منها، وذلك بواسطة ما وضعوه من قواعد وأمارات وضوابط، وبما عرفوه عن الرواة، وتاريخهم وسيرهم، ومنِ اندس بينهم من الكذبة، والوضاعين، والمنافقين، وقد كانت معرفتهم لذلك معرفة واعية مستوعبة، متعددة الطرق والمناهج، وبذلك خلصوا السنة مما خالطها من الموضوعات، وألفوا في ذلك الكتب العديدة المستقلة، التي تكفلت بحصر الموضوعات وبيانها، وبذلك سلمت السنة بحمد الله ووفائه بوعده الذي أنزله في كتابه الكريم ” إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ”

وأما ما أشاروا إليه من تعرض رواتها للسهو، والنسيان، والغلط، وسوء الحفظ، والضبط، فقد كان لعلماء الحديث كما قدمنا في تجنب هذا، وبراءة الرواة الذين أخذ الحديث عنهم الجهد الذي لا ينكر، وذلك أنهم قد احتاطوا في قبول الحديث، وتثبتوا وتأكدوا من الأخبار ورواتها، وكان هذا منهجهم، ومنهج الصحابة والتابعين من قبلهم، بل ومنهج من جاء بعدهم، فحاولوا جميعا التثبت بكل وسيلة ممكنة، تضمن لهم معرفة صحة المروي وضبط راويه وعدالته والوثوق به، وكان من طرائقهم في ذلك أيضا طلب الحديث من راوى، أو من سند آخر، وجمع طرقه كلها، والرجوع إلى أئمة هذا الشأن، حتى استطاعوا بذلك وبغيره من الطرق التثبت من صحة الرواية.

وتعرف الرواة وأحوالهم، ومن كان به عاهة من غفلة، أو نسيان ومن أصابه خطأ في روايته، حتى وصلوا بذلك إلى الطمأنينة والثقة بالرواة ومروياتهم، وحتى كانوا لا يقبلون إلا ما روي عمن عرف بالصدق، والأمانة، والحفظ، والإتقان، والضبط، وكانوا يرددون ما كان يتردد على ألسنة العلماء “إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم” لذلك كانوا يتجنبون الرواية ممن كان يعرف بينهم بضرب من الغفلة، وإن اشتهر بالصلاح والتقوى، ولقد نقل عن الإمام مالك رضي الله عنه أنه قال “أدركت بالمدينة مشيخة لهم فضل، وصلاح، وعبادة يحدثون، فما كتبت عن أحدهم حديثا قط، فقيل له “لم؟” قال “لأنهم لم يكونوا يعرفون ما يحدّثون” قال.

“وكنا نزدحم على باب ابن شهاب”، وهكذا يرى أن ما لاكته ألسنة هؤلاء المارقين، من طعون وشبهات وجهوها إلى الرواة ورواياتهم، لا أساس لها، ولا تستند إلى واقع، ولا يمس صحة السنة، ولا ترتفع إلى مستوى النظر إليها والاعتداد بها، بعد الذي صينت به رواية السنة، وحوفظ به على متنها، وكان ذلك يلاحظ أن ما وجهوه من ذلك إلى بعض رواة الحديث من مطاعن، أو إلى أحاديث معينة من شبهات، لا يقدح في السنة جميعها، ولا ينال من الرواة أجمعين، وفي بحثه وتمحيصه والرد عليه وضعت كتب مستقلة، ومقالات مفردة، وأما ما أشاروا إليه من النهي عن كتابتها، وعدم تدوينها ونشرها وروايتها بالمعنى، فلقد أقام هؤلاء ضلالهم وانحرافهم على الشبهات الآتية.

أنه قال الله تعالى ” ما فرطنا فى الكتاب من شئ ” وقال الله تعالى ” ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء” وقالوا هذا يدل على أن القرآن الكريم قد تضمن كل أمر من أمور الدنيا، وكل حكم من أحكامها، كما يدل أيضا على أن بيانه في ذلك بيان كاف لا تفريط فيه، ولذلك تكفل الله تعالى بحفظه فقال تعالى في كتابه الكريم ” إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ” وقالوا لو كان الدين في حاجة إلى السنة لتكفل بحفظها، كما حفظ القرآن الكريم، فلم يخالطها ما خالطها، ولم يمسّها ما مسّها من إهمال، وعدم تدوين، وكتابة إلى آخر ما ذكروا، وأنه أيضا لو كانت السنة أصلا واجبة الاتباع دائما، وذلك لأمر النبي صلى الله عليه وسلم بكتابتها، ولم ينه عن ذلك، ولم يأمر بمحو ما كتب منها، ولعمل الصحابة على جمعها وتدوينها.