الدكرورى يكتب عن راعوث وبوعز ” جزء 4″
بقلم/ محمــــد الدكـــــرورى
راعوث وبوعز ” جزء 4″
ونكمل الجزء الرابع مع راعوث وبوعز، سرعان ما علمت ان شريعة يهوه تنص على تدابير عملية تحفظ كرامة الفقراء في اسرائيل، بمن فيهم الغرباء، وها هي الآن ترى عبادا ليهوه يعيشون بمقتضى الشريعة التي تربّوا عليها ويعربون عن نضج روحي ولطف فائق مسا قلبها الجريح، وكان أحد هؤلاء العباد هو بوعز، وكان رجل مسن واسع الثراء اظهر لها اهتماما ابويا اليوم وهي تلتقط في حقوله، ولم يسعها الا ان تبتسم في سرها حين تذكرت اطراءه اللطيف وهو يثني عليها لاهتمامها بنعمي المتقدمة في الايام واحتمائها تحت جناحي الاله الحقيقي يهوه، لكن ذلك لا يمنع ان راعوث كانت قلقة على حياتها في المستقبل، فبما انها غريبة معوزة لا زوج لها ولا ولد.
فكيف لها ان تعيل نفسها وحماتها؟ أيكفي اللقاط لسد حاجاتهما؟ ومن سيعنى بأمرها هي حين تتقدم بها السنون؟ ليس مستغربا ان تشغل بالها هواجس كهذه، وقد عملت راعوث بكد لتؤمّن لقمة العيش لنفسها ولحماتها، فعندما انهت راعوث خبط السنابل وجمع الحبوب، تبين انها التقطت نحو إيفة من الشعير، وهى كمية ربما بلغ وزنها حوالي أربعة عشر كيلو جرام فحملتها، ربما في صرة على رأسها، ثم توجهت الى بيت لحم فيما اخذ الليل يبسط رداءه المظلم، وقد سرت نعمي برؤية كنتها الحبيبة، ولعلها شهقت متفاجئة حين رأت حملها الثقيل، وكانت راعوث قد جلبت ايضا ما فضل عنها من الطعام الذي زوده بوعز للحصادين، فجلست الاثنتان تتناولان وجبة متواضعة.
سألتها نعمي اين التقطت اليوم، وأين عملت؟ ليتبارك من اهتم بك، وكانت نعمي شديدة الملاحظة، فقد استنتجت من كمية الشعير الكبيرة التي احضرتها راعوث ان احدا ما اهتم بهذه الارملة الشابة وعاملها بلطف، وبينما راحت الاثنتان تتسامران، اخبرت راعوث حماتها عن المعروف الذي اسداه اليها بوعز، فتأثرت نعمي وقالت مبارك هو من يهوه، الذي لم يتخلّ عن لطفه الحبي نحو الاحياء والاموات، فقد اعتبرت صنيع بوعز لطفا من يهوه الذي يحث قلوب خدامه على السخاء ويعد بمكافأتهم على احسانهم، وبعدئذ، شجعت نعمي راعوث على قبول عرض بوعز ان تلتقط في حقوله وتلازم فتياته، خدم بيته، لئلا يتعرض لها الحصادون، فأخذت راعوث بالنصيحة.
كما انها ظلت ساكنة مع حماتها، وبهذه الكلمات، تبرز مجددا علامة فارقة تميزت بها راعوث المحبة المجبولة بالولاء، وقد تعاونت راعوث ونعمي وتبادلتا التشجيع، وإن في بعض الحضارات، لا تعد العائلة عائلة بحق ما لم يتوفر فيها زوج وزوجة وأولاد وأجداد وما الى ذلك، لكن عائلة نعمي وراعوث تؤكد لنا ان بإمكان خدام يهوه ان يتحدوا في المحبة ويشيعوا جوا من الدفء واللطف والمودة في عائلتهم المفجوعة حتى لو كانت صغيرة، وقد داومت راعوث على الالتقاط في حقول بوعز بدءا من حصاد الشعير قرابة نيسان وهو شهر ابريل، حتى حصاد الحنطة قرابة حزيران وهو شهر يونيو، وفيما مرت الاسابيع لا شك ان نعمي فكرت مطولا كيف تساعد كنتها العزيزة.
فخلال اقامتهما في موآب، كانت قد قطعت الامل من تزويجها مرة ثانية، أما الآن فاختلف الوضع لذا قالت لكنتها يا ابنتي، ألا اطلب لك مكان راحة؟ لقد جرت العادة في تلك الايام ان يدبر الوالدون رفقاء زواج لأولادهم، وبما ان نعمي اعتبرت راعوث ابنتها، ارادت ان تجد لها مكان راحة، اي الطمأنينة والحماية اللتين يفترض ان تنعم بهما في بيتها الزوجي، ولكن ماذا كان في طاقة يدها ان تفعل؟ فعندما اتت راعوث على ذكر بوعز لأول مرة، قالت نعمي الرجل ذو قرابة لنا، وهو من اوليائنا، فماذا عنى ذلك؟ وقد تضمنت الشريعة التي اعطاها الله لإسرائيل تدابير حبية للعائلات التي فجعت او افتقرت من غدر الزمان، فكانت المرأة التي تترمل قبل ان تنجب ولدا تمنى بمصيبة كبيرة.