الدكرورى يكتب عن سر بناء مدينة القيروان ” جزء 2″
بقلم / محمـــد الدكـــرورى
سر بناء مدينة القيروان ” جزء 2″
ونكمل الجزء الثانى مع سر بناء مدينة القيروان، فكان بناء مدينة إسلامية خير علاج لهذه الظاهرة الناجمة عن غياب قاعدة إسلامية ثابتة للإسلام لنشر الهدى والنور وسط ظلمات البربر، وأيضا ضرورة تكوين قاعدة حربية ثابتة في مواجهة التهديدات الرومية المتوقعة بعد فتح الشمال الأفريقى، وأن تكون هذه المدينة دار عزة ومنعة للمسلمين الفاتحين، ذلك لأنهم تفرقوا فى البلاد كحاميات على المدن المفتوحة، وهذا التفرق قد يورث الضعف والوهن مع مرور الوقت خاصة لو دهم عدو كبير العدد هذه البلاد، لهذه الأسباب وغيرها قرر القائد عقبة بن نافع بناء مدينة القيروان في القرن الشمالى لإفريقية فى مكان تتوافر فيه شروط الأمن الدعوى والحركي للمسلمين.
بحيث تكون دار عزة ومنعة وقاعدة حربية أمامية في القتال، ومنارة دعوية علمية لنشر الإسلام، وانطبقت كل الشروط المطلوب توافرها فى منطقة أحراش مليئة بالوحوش والحيات، فقال له رجاله “إنك أمرتنا بالبناء في شعاب وغياض لا ترام، ونحن نخاف من السباع والحيّات وغير ذلك من دواب الأرض” وكان فى عسكره خمسة عشر رجلا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فجمعهم وقال “إني داع فأمّنوا” وبالفعل دعا الله عز وجل طويلا والصحابة والناس يأمّنون، ثم قال عقبة مخاطبا سكان الوادى “أيتها الحيّات والسباع، نحن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فارتحلوا عنا فإنا نازلون، ومن وجدناه بعد ذلك قتلناه” فحدثت بعدها كرامة هائله.
حيث خرجت السباع من الأحراش تحمل أشبالها والذئب يحمل جروه، والحيّات تحمل أولادها، فى مشهد لا يرى مثله في التاريخ، فنادى عقبة في الناس “كفوا عنهم حتى يرتحلوا عنا” وهكذا يصل الإيمان والثقة بالله عز وجل لهذا المستوى الفائق من اليقين بنصرة الله عز وجل وتأييده ومدده، فهذا هو البطل المجاهد يصل به الإيمان والكرامة لئن يتكلم مع الحيوانات البهائم التى لا تعقل ولا تفهم، فيطيعونه ويسمعون أوامره، وهكذا يصبح الكون كله ومن فيه مسخرا لخدمة المجاهدين وغايتهم السامية، وتختلف القيروان عن المدن العربية السابقة عليها فى التأسيس، فى أن كل قبيلة نزلت بها لم تكن تختص بمكان معين من المدينة، ربما لأن فتحها جاء متأخرا.
وربما لعدم حرص القبائل التى اشتركت فى فتحها على أن تظل بمعزل عن القبائل الأخرى في سكنها كما حدث فى المدن السابقة، وفى التاسع والعشرين من شهر رمضان من عام ثمانى وأربعين من الهجرة، أمر عقبة بن نافع ببناء مدينة القيروان لتكون حصنا منيعا للمسلمين، ضد اعتداءات الروم والصليبيين، وقد استمر بناء مدينة القيروان قرابة الخمس سنوات، حتى أصبحت القيروان درة المغرب، وشيّد القائد عقبة بن نافع بها جامعا كبيرا أصبح منارة العلم وقبلة طلاب العلم والشريعة من كل مكان، وملتقى للدعاة والعلماء والمجاهدين، وأصبح جامع القيروان أول جامعة إسلامية على مستوى العالم وذلك قبل الأزهر بعدة قرون، والقيروان مدينة تونسية، تبعد حوالى مائة وستون كيلومتر عن تونس العاصمة.
والقيروان المعروفة بعاصمة الأغالبة هى أول المدن الإسلامية المشيدة فى بلاد المغرب وكان لها دور استراتيجى في الفتح الإسلامي، انطلقت منها حملات الفتح نحو الجزائر والمغرب وإسبانيا وأفريقيا بالإضافة إلى أنها رقاد لعدد من صحابة رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم ويطلق عليها الفقهاء “رابعة الثلاث” بعد مكة والمدينة المنورة والقدس وفى هذه المدينة توجد أهم المعالم للقيروان، منها جامع القيروان الكبير و الذى أسسه عقبة بن نافع، ويعود تاريخ مدينة القيروان إلى عام خمسين من الهجرة، عندما قام بإنشائها عقبة بن نافع، وكان هدفه من هذا البناء أن يستقر به المسلمون، إذ كان يخشى إن رجع المسلمون عن أهل إفريقية أن يعودوا إلى دينهم.