سر بناء مدينة القيروان ” جزء 6″

الدكرورى يكتب عن سر بناء مدينة القيروان ” جزء 6″

بقلم / محمـــد الدكـــرورى

سر بناء مدينة القيروان ” جزء 6″

ونكمل الجزء السادس مع سر بناء مدينة القيروان، ولقد بدأ المسجد صغير المساحة، بسيط البناء، ولكن لم يمض على بنائه عشرون عاما، حتى هدمه حسان بن نعمان الغسانى، وأقام مكانه مسجدا جديدا أكبر من الأول، وفى عهد الخليفة هشام بن عبد الملك أمر بزيادة مساحته، وأضاف إليه حديقة كبيرة فى شماله، وجعل له صهريجا للمياه، وشيد مآذنه، وفي عام مائة وخمس وخمسون من الهجرة أعيد بناؤه على يد يزيد بن حاتم، وظل على حاله هذه إلى أن تولى زيادة الله بن إبراهيم بن الأغلب إمارة إفريقية عاممائتان وواحد فزاد فيه، ولقد سارت التوسعات في العصور المختلفة حتى أصبح يشغل اليوم مساحة مستطيلة تتراوح أضلاعها ما بين سبعين إلى مائتان واثنين وعشرين مترا.

ويعتبر جامع القيروان من أقدم مساجد المغرب الإسلامى والمصدر الأول الذى اقتبست منه العمارة المغربية والأندلسية عناصرها الزخرفية والمعمارية، وكما كان هذا المسجد ميدانا للحلقات الدينية والعلمية واللغوية التى ضمت نخبة من أكبر علماء ذلك العصر، ولقد شرع عقبة بن نافع في بناء القيروان في سنة خمسين للهجرة، وابتدأ بتخطيط دار الإمارة، ثم عمد إلى موضع المسجد الأعظم فاختطه، ولكنه لم يحدث فيه بناء، ويذكر ابن عذارى المراكشى أنه كان يصلى فى موضع هذا الجامع قبل أن يقوم ببنائه، فاختلف الناس عليه في القبلة، وقالوا إن جميع أهل المغرب يضعون قبلتهم على قبلة هذا المسجد، فأجهد نفسك في تقويمها فأقاموا أياما ينظرون إلى مطالع الشتاء والصيف.

من النجوم ومشارق الشمس، فلما رأى أمرهم قد اختلف، بات مغموما، فدعا الله عز وجل أن يفرج عنه، فأتاه آت فى منامه، فقال له إذا أصبحت فخذ هذا اللواء في يدك، واجعله على عنقك، فإنك تسمع بين يديك تكبيرا لا يسمعه أحد من المسلمين غيرك فانظر الموضع الذى ينقطع عنك فيه التكبير، فهو قبلتك ومحرابك، وقد رضى الله لك أمر هذا العسكر وهذا المسجد وهذه المدينة، وسوف يعز الله بها دينه، ويذل بها من كفر به، فاستيقظ من منامه، وهو جزع، فتوضأ للصلاة، وأخذ يصلى وهو فى المسجد ومعه أشراف الناس، فلما انفجر الصبح، وصلى ركعتى الصبح بالمسلمين، وإذا بالتكبير بين يديه، فقال لمن حوله أتسمعون ما أسمع؟ فقالوا لا، فعلم أن الأمر من عند الله تعالى.

فأخذ اللواء فوضعه على عنقه، وأقبل يتبع التكبير حتى وصل إلى موضع المحراب فانقطع التكبير، فركز لواءه وقال هذا محرابكم، فاقتدى به سائر مساجد المدينة، ومنذ ذلك العهد أصبحت قبلة جامع القيروان موضع إجلال الناس وتعظيمهم، فلم يتعرض لها أحد الأمراء بسوء في الزيادات المتتالية التى أجريت بالجامع عامة وببيت الصلاة خاصة، ولم يتغير موضع القبلة حتى يومنا هذا لشرف انتمائها إلى التابعى عقبة بن نافع الذى أورث اسمه الجامع، فصار يعرف بجامع سيدى عقبة، ولم يكن هذا المسجد أول الأمر إلا مساحة مسورة بسور سميك من اللبِن على هيئة حصن، وليست لدينا فكرة عن بيت صلاته، فهو يماثل المساجد الأولى فقد كان بسيط البناء، صغير المساحة.

ويغلب الظن أن أسقفه كانت تقوم مباشرة على الأعمدة دون أن تحملها عقود، ولم تلبث المدينة أن عمرت بعد تخطيط الجامع بالدور ومختلف الأبنية والمساجد، وشد الناس إليها الرحال، وعظم قدرها، وتحقق الرجاء من بنائها وأصبحت بحق قاعدة للمسلمين في بلاد المغرب، كانت القيروان فى وسط الصحراء ولم يمنعها انعزالها هذا من أن تنمو وتكبر، وإذا كان عقبة بن نافع قد عُزل عنها فترة من الزمن فإنها استعادت عظمتها بعودته عام واحد وستين من الهجرة وظلت ما يقرب من أربعمائة عام على رأس مدن إفريقية والمغرب، وكان لها سور له أربعة عشر بابا، وكانت سوقها متصلة بالمسجد من جهة القبلة وممتدة إلى باب يعرف باسم باب الربيع.