سر بناء مدينة القيروان ” جزء 8″

الدكرورى يكتب عن سر بناء مدينة القيروان ” جزء 8″

بقلم / محمـــد الدكـــرورى

سر بناء مدينة القيروان ” جزء 8″

ونكمل الجزء الثامن مع سر بناء مدينة القيروان، وكان من بين علمائها عبد الكريم النهشلى عالم اللغة وكان من أهل الأدب أبو إسحاق وهو الحصرى القيرواني صاحب زهر الآداب، أما عن مدرسة الطب فقد اشتهرت منها أسرة ابن الجزار التى توارثت الطب أبا عن جد، وقعها على أساس حاجات إستراتيجية واضحة، وقد اختار لها موضعا بعيدا عن البصر فى وسط البلاد ولئلا تمر عليها مراكب الروم فتهلكها، ولقد استقطبت القيروان أعدادا هائلة من البربر المسلمين الذين جاءوا لتعلم الدين الجديد، قال ابن خلدون عند حديثه عن عقبة فدخل إفريقية وانضاف إليه مسلمة البربر، فكبر جمعه ودخل أكثر البربر في الإسلام ورسخ الدين، ولا شك أن الفاتحين قد خصصوا لهم من يقوم بهذه المهمة.

ومن القيروان انتشر الإسلام فى سائر بلاد المغرب، فقد بنى عقبة بالمغربين الأقصى والأوسط عدة مساجد لنشر الإسلام بين البربر، كما ترك صاحبه شاكرا فى بعض مدن المغرب الأوسط لتعليم البربر الإسلام، ولما جاء أبو المهاجر دينار لولاية إفريقية تألف كسيلة وقومه وأحسن إلى البربر، فدخلوا فى دين الله أفواجا ودعم حسان بن النعمان فيما بعد جهود عقبة في نشر الإسلام بين البرير حيث خصص ثلاثة عشر فقيها من التابعين لتعليم البربر العربية والفقه ومبادئ الإسلام، وواصل موسى بن نصير هذه المهمة حيث أمر العرب أن يعلموا البربر القرآن وأن يفقهوهم فى الدين، وترك فى المغرب الأقصى سبعة وعشرين فقيها لتعليم أهله، وكان كثير من أفراد الجيش قد صحبوا معهم زوجاتهم.

ومنهم من اتخذ بإفريقية السراري وأمهات الأولاد، وقال أبو العرب روى بعض المحدثين أن عبد الله بن عمر بن الخطاب لما غزا مع معاوية بن حديج كانت معه أم ولد له، فولدت له صبية من أم الولد وماتت، فدفنها في مقبرة قريش بباب سلم، فاتخذتها قريش مقبرة يدفنون فيها لمكان تلك الصبية، ومن هنا كان لا بد من الاهتمام بتعليم النشء المسلم مبادئ الإسلام واللغة العربية ولذلك فقد نشأت الكتاتيب بالقيروان فى وقت مبكر جدا، فقد روى عن غياث بن شبيب أنه قال وكان سفيان بن وهب صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم يمر بنا ونحن غلمة بالقيروان فيسلم علينا ونحن فى الكتاب وعليه عمامة قد أرخاها من خلفه، وكان سفيان بن وهب قد دخل القيروان مرتين.

أولاهما سنة ستين للهجرة أى بعد الانتهاء من تأسيس القيروان بخمس سنوات، والثانية سنة ثمانى وسبعين للهجرة، وفي عهد ولاية إبراهيم بن أحمد بن محمد بن الأغلب فى عام مائتان وواحد وستين هجريا، قد بدأت الفتن تدب بين أمراء الأغالبة وكان إبراهيم بن أحمد سفاحا لم تسلم منه عامة الناس ولا أقرب الناس إليه وكان غدره بسبعمائة من أهل بلزمة سنة مائتان وثمانون هجريا، سببا من أسباب سقوط دولة بني الأغلب، وفى نفس السنة شقت عصا الطاعة فى وجه هذا الأمير مدن تونس، وباجة، وقمودة، وغيرها، وعمت الفوضى أرجاء البلاد بينما الخطر العبيدي الشيعى يزداد يوما بعد يوم ولما أيقن إبراهيم بن أحمد بخطر بني عبيد حاول سنة مائتان وتسعه وثمانون هجريا.

قام تغيير سياسته، فرفع المظالم، واستمال الفقهاء، وبذل الأموال للشعب ولكن بدون جدوى، وفى عهد حفيده زيادة الله ازداد خوف بغداد واشتد جزعها من الزحف العبيدى فبعث الخليفة العباسي المكتفى بالله يحث أهل إفريقية على نصرة زيادة الله فلم يكن لذلك صدى فى النفوس وبذل زيادة الله الأموال بلا حساب ولكن دون جدوى، فلم يمض على هذا الحادث سوى ثلاث سنوات حتى جاءت معركة الأربس الحاسمة سنة مائتان وسته وتسعين هجريا، وفر على إثرها زيادة الله إلى المشرق ومعه وجوه رجاله وفتيانه وعبيده، وباستيلاء العبيديين على القيروان جمعوا كل المغرب تحت سيطرتهم فشجعهم ذلك على متابعة السير نحو المشرق، وأمكن لهم فيما بعد أن يستولوا على مصر والشام والحجاز.