الدكرورى يكتب عن العباس بن عبد المطلب بن هاشم ” جزء 5″
بقلم / محمـــد الدكـــرورى
العباس بن عبد المطلب بن هاشم ” جزء 5″
ونكمل الجزء الخامس مع العباس بن عبد المطلب بن هاشم، ويجيء يوم حنين ليؤكد فدائية العباس بن عبد المطلب، فقد كان صوت العباس رضى الله عنه، يومئذ وثباته من ألمع مظاهر السكينة والاستبسال، فبينما كان المسلمون مجتمعين في أحد أودية جبال تهامة، ينتظرون مجيء عدوهم، وكان المشركون قد سبقوهم إلى الوادي وكمنوا لهم في شعابه شاحذين أسلحتهم، وعلى حين غفلة انقضوا على المسلمين في مفاجأة مذهلة جعلتهم يهرعون بعيدا، وكان حول النبي صلى الله عليه وسلم، فى هذا الوقت أبو بكر، وعمر، وعلي، والعباس وبعض الصحابة رضوان الله تعالى عليهم أجمعين، ولم يكن العباس رضى الله عنه، بجواره فقط، بل كان بين قدميه آخذا بخطام بغلته.
يتحدى الموت والخطر، وأمره الرسول صلى الله عليه وسلم، أن يصرخ في الناس، وكان جسيما جهوري الصوت، فراح ينادي “يا معشر الأنصار، يا أصحاب البيعة” فردوا “لبيك لبيك” وانقلبوا راجعين جميعا بعد أن شتتهم هجوم المشركين المفاجئ، وقاتلوا وثبتوا، فنصرهم الله، ولما كان عام الرمادة، وهو عام الجدب سنة ثماني عشرة، استسقى عمر بن الخطاب رضى الله عنه، بالعباس بن عبد المطلب قائلا “اللهم إنا كنا نستسقيك بنبيِنا إذا قحطنا، وهذا عمه بين أظهرنا ونحن نستسقيك به” فلم ينصرف حتى أطبق السحاب، وسقوا بعد ثلاثة أيام، وقيل أنه دخل عليه عثمان بن عفان رضى الله عنه، وكان العباس بن عبد المطلب، خال أمه أروى بنت كريز فقال له يا خال أوصني.
فقال رضى الله عنه “أوصيك بسلامة القلب، وترك مصانعة الرجال في الحق، وحفظ اللسان، فإنك متى تفعل ذلك ترضي ربك، وتصلح لك رعيتك” ويقول العباس لعبد الله بن العباس رضي الله عنهما ناصحا “يا بني، إن الله قد بلغك شرف الدنيا فاطلب شرف الآخرة، واملك هواك، واحرز لسانك إلا مما لك” وعن عامر بن سعد، عن العباس بن عبد المطلب رضى الله عنه، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول “ذاق طعم الإيمان من رضي بالله ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد رسولا” وقال العباس بن عبد المطلب، لابنه عبد الله بن عباس رضى الله عنهما، حين اختصه عمر بن الخطاب وقرّبه “يا بُنى، لا تكذبه فيطرحك، ولا تغتب عنده أحدا فيمقتك، ولا تقولن له شيئا حتى يسألك، ولا تفشين له سرا فيزدريك”
وكان العباس أخوانه وخواته هم الحارث، والزبير، والعوام، وقثم، والغيداق، والمقوم، وأبو طالب، والحمزة، وضرار، وعبد الله، وعبد الكعبة، وحجل، وأبو لهب، وصفار، وصفية، وعاتكة، وأروى، وأميمة، وبرة، وأم حكيم البيضاء، وقد تولى عبد المطلب بن هاشم السقاية بعد أن حفر زمزم، ثم انتقلت بعده إلى ولده أبو طالب، وقد أملق أبو طالب بعض السنين، فاستدان من أخيه العباس عشرة آلاف درهم إلى الموسم التالي، فأنفقها أبو طالب على الحجيج ذلك العام فيما يتعلق بالسقاية، وفي العام الذي يليه لم يكن مع أبي طالب شيء، فقال لأخيه العباس “أسلفني أربعة عشر ألفا أيضا إلى العام المقبل لأعطيك جميع مالك، فقال له العباس، بشرط إن لم تعطني تترك السقاية لأكفلها؟
فقال نعم، فلما أتى العام التالي لم يكن مع أبي طالب شيء ليعطيه لأخيه العباس فترك له السقاية، ثم انتقلت من بعده لولده عبد الله بن عباس، واستمر ذلك في بني العباس إلى زمن السفاح، ثم ترك بنو العباس ذلك بعد توليهم الخلاقة، وانتقلت بعد ذلك إلى آل الزبير الذين كانت تعهد اليهم من قبل العباسيين، ولاتزال السقاية في عقبه ويعرفون اليوم بآل عباس الهاشميين المكيين ويتوارثون حصص في السقاية المعروفة اليوم بمكتب الزمازمة الموحد، والعباس بن عبد المطلب قد نزلت فيه آية ” أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر وجاهد فى سبيل الله، والله لا يهدى القوم الظالمين “