الدكرورى يكتب عن العباس بن عبد المطلب بن هاشم ” جزء 8″
بقلم / محمـــد الدكـــرورى
العباس بن عبد المطلب بن هاشم ” جزء 8″
ونكمل الجزء الثامن مع العباس بن عبد المطلب بن هاشم، والدعوة في الأنصار يقولون يا معشر الأنصار يا معشر الأنصار قال ثم قصرت الدعوة على بني الحارث بن الخزرج فقالوا يا بني الحارث بن الخزرج يا بني الحارث بن الخزرج فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو على بغلته كالمتطاول عليها إلى قتالهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم، هذا حين حمي الوطيس قال، ثم أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم، حصيات فرمى بهن وجوه الكفار، ثم قال “انهزموا ورب محمد” قال فذهبت أنظر فإذا القتال على هيئته فيما أرى قال فوالله ما هو إلا أن رماهم بحصياته فما زلت أرى حدهم كليلا وأمرهم مدبرا، وإنه كما كان حمزة بن عبد المطلب هو عمّ الرسول صلى الله عليه وسلم، وتربه.
كذلك كان العباس رضي الله عنه، فلم يكن يفصل بينهما في سنوات العمر سوى سنتين أو ثلاث، وهى تزيد في عمر العباس عن عمر الرسول صلى الله عليه وسلم، وهكذا كان النبى صلى الله عليه وسلم، والعباس عمه، طفلين من سن واحدة، وشابين من جيل واحد، فلم تكن القرابة القريبة وحدها، آصرة ما بينهما من ود، بل كانت كذلك زمالة السن، وصداقة العمر، وكان هناك شيء آخر يضعه معايير النبي صلى الله عليه وسلم، في المكان الأول دوما، ذلك هو خلق العباس وسجاياه، فلقد كان العباس جوادا، مفرط الجود، حتى كأنه للمكارم عمّها أو خالها، وكان وصولا للرحم والأهل، لا يضن عليهما بجهد ولا بجاه، ولا بمال، وكان الى هذه وتلك، فطنا الى حد الدهاء.
وبفطنته هذه التي تعززها مكانته الرفيعة في قريش، استطاع أن يدرأ عن النبي صلى الله عليه وسلم، حين يجهر بدعوته الكثير من الأذى والسوء، وكان حمزة بن عبد المطلب رضى الله عنه، من قبل كان يعالج بغي قريش، وصلف أبي جهل بسيفه الماحق، أما العباس رضى الله عنه فكان يعالجها بفطنة ودهاء وقد أدّي للاسلام من النفع مثلما أدّت السيوف المدافعة عن حقه وحماه، وكان العباس رضى الله عنه، بفطنته وتجربته مع قريش كان يدرك أن الحرب لا محالة قادمة بين الاسلام والشرك، فقريش لن تتنازل عن دينها ومجدها وعنادها، وكذلك الاسلام ما دام حقا لن يتنازل للباطل عن حقوقه المشروعة، فهل الأنصار، أهل المدينة صامدون للحرب حين تقوم.
ومن اجل هذا ألقى العباس السؤال ” صفوا لي الحرب، وكيف تقاتلون عدوّكم؟ وكان الأنصار الذين يصغون للعباس رجالا كالجبال، ولم يكد العباس يفرغ من حديثه، لا سيما ذلك السؤال المثير الحافز حتى شرع الأنصار يتكلمون، وبدأ عبد الله بن عمرو بن حرام مجيبا على السؤال ” نحن، والله، أهل الحرب، غذينا بها، وقد تدربنا عليها، وورثناها عن آبائنا كابرا فكابر، فنحن نرمي بالنبل حتى تفنى، ثم نطاعن بالرماح حتى تنكسر، ثم نمشي بالسيوف، فنضارب بها حتى يموت الأعجل منا أو من عدونا ” وأجاب العباس متهللا، أنتم أصحاب حرب اذن، فهل فيكم دروع ” فقالوا نعم، لدينا دروع شاملة، ثم دار حديث رائع وعظيم بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين الأنصار.
وفي السنة الثامنة للهجرة، وبعد ان فتح الله مكة لرسوله صلى الله عليه وسلم ولدينه عز بعض القبائل السائدة في الجزيرة العربية أن يحقق الدين الجديد كل هذا النصر بهذه السرعة، فاجتمعت قبائل هوزان وثقيف ونصر وجشم وآخرون وققروا شنّ حرب حاسمة ضد الرسول صلى الله عليه وسلم والمسلمين، وان كلمة قبائل لا ينبغي أن تخدعنا عن طبيعة تلك الحروب التي كان يخوضها الرسول صلى الله عليه وسلم، طوال حياته فنظن انها كانت مجرد مناوشات جبلية صغيرة، فليس هناك حروب أشد ضراوة من حروب تلك القبائل في معاقلها، وإن ادراك هذه الحقيقة لا يعطينا تقديرا سديدا للجهد الخارق الذي بذله رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأصحابه فحسب، بل يعطينا تقديرا صحيحا وأمينا لقيمة النصر العظيم الذي أحرزه الاسلام والمؤمنون.