الدكرورى يكتب عن العباس بن عبد المطلب بن هاشم ” جزء 10″
بقلم / محمـــد الدكـــرورى
العباس بن عبد المطلب بن هاشم ” جزء 10″
ونكمل الجزء العاشر مع العباس بن عبد المطلب بن هاشم، فما كاد يقرع أسماع المرتاعين من هول المفاجأة، المشتتين في جنبات الوادي، حتى أجابوا في صوت واحد ” لبّيك، لبّيك” وانقلبوا راجعين كالاعصار، حتى ان أحدهم لينحرن بعيره أو فرسه، فيقتحم عنها ويترجل، حاملا درعه وسيفه وقوسه، ميممّا صوب صوت العباس، ودارت المعركة من جديد ضارية، عاتية، وصاح رسول الله صلى الله عليه وسلم ” الآن حمي الوطيس، وحمي الوطيس حقا، وتدحرج قتلى هوزان وثقيف، وغلبت خيل الله خيل اللات، وأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنينن وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب العباس عمه حبا كبيرا، حتى انه لم ينم يوم انتهت غزوة بدر، وقضى عمه ليله في الأسر.
ولم يخف النبي صلى الله عليه وسلم عاطفته هذه، فحين سئل عن سبب أرقه، وقد نصره الله نصرا مؤزرا أجاب صلى الله عليه وسلم ” سمعت أنين العباس في وثاقه ” وقد فدى العباس نفسه ومن معه، وقفل راجعا الى مكة ولم تخدعه قريش بعد ذلك عن عقله وهداه، فبعد حين جمع ماله وحمل متاعه، وأدرك الرسول صلى الله عليه وسلم، بخيبر، ليأخذ مكانه في موكب الاسلام، وقافلة المؤمنين، وصار موضع حب المسلمين واجلالهم العظيم، وخصوصا وهم يرون تكريم الرسول صلى الله عليه وسلم، له وحبه اياه وقوله عنه ” انما العباس صنو أبي، فمن آذى العباس فقد آذاني” وقد أنجب العباس بن عبد المطلب رضى الله عنه، ذريّة مباركة، وكان حبر الأمة عبد الله بن عباس واحدا من هؤلاء الأبناء المباركين.
وفي يوم الجمعة الرابع عشر من شهر رجب سنة اثنتين وثلاثين من الهجرة، قد سمع اهل العوالي بالمدينة مناديا ينادي رحم الله من شهد العباس بن عبد المطلب، فأدركوا أن العباس قد مات، وقد خرج الناس لتشييعه في أعداد هائلة لم تعهد المدينة مثلها، وصلى عليه خليفة المسلمين يومئذ عثمان بن عفان رضي الله عنه، وتحت ثرى البقيع هدأ جثمان أبي الفضل واستراح، ونام قرير العين، بين الأبرار الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه، وقد روى العباس بن عبد المطلب عن النبي صلى الله عليه وسلم، أحاديث كثيرة، منها خمسة وثلاثون حديثا في مسند بقي بن مخلد، وحديثا في صحيح البخاري وفي صحيح مسلم ثلاثة أحاديث، وقد روى عنه الحديث، أبناؤه عبد الله بن العباس.
وكثير بن العباس، وأم كلثوم بنت العباس، وعبيد الله بن العباس، وتمام بن العباس ومن غير أبناؤه، الأحنف بن قيس، وعبد الله بن الحارث بن نوفل، وجابر بن عبد الله بن عمرو بن حرام، وعبد الله بن عميرة، وعامر بن سعد بن أبي وقاص، وإسحاق بن عبد الله بن نوفل، ومالك بن أوس بن الحدثان، ونافع بن جبير بن مطعم، ومولاه صهيب، والعباس بن عبد الرحمن مولى بني هاشم، وعبد الله بن غنمة المزني، وعبد الرحمن بن سابط الجمحي، ومحمد بن كعب القرظي، وكان من أحاديثه ما رواه الإمام مسلم بن الحجاج في صحيحه عن عامر بن سعد بن أبي وقاص، عن العباس بن عبد المطلب أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول “إذا سجد العبد، سجد معه سبعه، أطراف وجهه، وكفاه، وركبتاه، وقدماه”
وما رواه البخاري في صحيحه عن عبد الله بن الحارث بن نوفل أنه قال حدثنا العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه قال للنبي “ما أغنيت عن عمك فإنه كان يحوطك ويغضب لك، قال صلى الله عليه وسلم “هو في ضحضاح من نار ولولا أنا لكان في الدرك الأسفل من النار” وقيل أن العباس رضى الله عنه قد راح بصره في آخر عمره، وأعتق سبعين مملوكا عند موته، وقد توفي في المدينة المنورة وعمره ثمانى وثمانون سنة، وقد بعث بنو هاشم مؤذنين يخبرون الناس بوفاته إلى أهل المدينة المنورة كافة، رحم الله من شهد العباس بن عبد المطلب، فأتى حشد عظيم من الناس لجنازته، وازدحموا عليه ليحملوه وليدفنوه، فاضطر الخليفة عثمان بن عفان أن يأتي بالشرطة ليفرق الناس عنه.