سيكولوچية الفساد !!!
بقلم احمد العش
يجد الباحث عن ماهية الفساد، نفسه في أدغال وأوغال من التقارير التاريخية على الحقيقة والمجاز، تُعنونها تعابير إصطلاحية وتكترثها السردية والإيجاز، ويفضي الحديث عن الفساد إلى وجه واحد، لا يتسع مخاضه أن يكون حمال أوجه…
والفساد مُحررَّاً شرٌ مستطير، يختلج النفس الأمارة بالسوء، فتعتسف وتعصف، خرقاً في كل جدار صالح، وتوقاً في المضمار الطالح…
تنكيساً للفطرة، وتركيساً للهمة، ظلمات فوق ظلمات ….
لا غرو أن سيكولوچية المُفسد هي التفسير الدقيق لوعائه الفسيولوچي، الذي نضحت فيه السقطة والوصمة منذ الصغر فتناهت عند الكبر ، ليرمي بشرر كالقصر، كأنه جمالات صفر، عوضاً عن جفوة وازع الخير والضمير ونوازع الفطرة والسليقة، التي أصابت فؤاده ونواحي صفاته، فجعلت منه مادة إبليسية، لمجابهة ومعاندة كل الصور الحضارية..
يُعول الفساد سواء أكان أُحادياً أو جماعياً، على رغبة جامحة في تشويه الأركان الخلابة، مطمحاً أنوياً في الزهو ونرجسياً في العلو، لسبر أغوار عقدة النقص والإحساس بالدونية، لإشباع رغبات مفقودة في مضامين الأخلاق والثقافة والبداهة السوية المفطورة أو المكتسبة ( فاقد الشيء لا يعطيه ) …
تحدث القرآن الكريم عن الفساد تصريحاً وتلميحاً، ونال هذا الإطار حيزاً كبيراً من الآيات، وأومأت سورة البقرة التي في حاشية المصحف بعد الفاتحة، إلى قضية الفساد وعاقبة سوءته..( وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون )( ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون )
وعن الأخنس بن شريق في ذات السورة ( وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل )
وبدت أدق صورة لتعريف الفساد في كتاب الله، في تلكم الآية الوحيدة الفريدة التي تبدأ بحرف الظاء في القرآن كله ( ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون ) … وجاءت لفظة الناس على إطلاقها، ولم تُحدد طائفة وتستثنى أخرى، لاحتمالية وقوع بعض أو كثير من المسلمين تحت طائلة هذه الآفة …..
صور الفساد ودروبه !!
فرعون وهامان وقارون.. أشهر نماذج الفساد الثلاثي العقَّدي والسياسي والمالي …
وسحرة فرعون في أول أمرهم فساد إعلامي..
وكان في المدينة تسعة رهط يفسدون في الأرض ولا يصلحون ) عقدي وأخلاقي وإنساني لما تربصوا بالناقة وعقروها…
وفساد فطري، كعمل قوم لوط ( أتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من إحد من العالمين )
وفساد آدمي … كالاعتداء البدني السافر على عباد الله ، ولاسيما الراسخون في العلم ( إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يُقتَّلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض)
وفساد معنوي .. على نحو الاعتداء اللفظي والتحقير العنصري… ازدراءً دينياً أو اجتماعياً أو وظيفياً..
فساد تحريفي لكافة الكتب المقدسة ..
وفساد إداري، وهو القائم على بيروقراطية ابتدعوها، ما كتبناها عليهم ، كتقديم أهل الثقة في حواضر المؤسسات على أهل الكفاءة والخبرة …
فساد أسري .. تقهقر قوامة الرجل، وقفزة المرأة لمهام مُثقلة على كاهلها، وتوسيدها مقاليد القيادة، فتودي بالأسرة جميعاً في مهب الريح والتهلكة…
فساد مالي… وهو الاجتراء على المال العام، واهتباله بلا شفقة ولا رحمة …
وفساد اقتصادي .. ومؤداه الدأب على فشو النظام الربوي، وتجميد الثروات في أحوزة فئات قليلة دون السواد الأعظم …
وفساد بيئي… وهو ذاك الحثيث على تغبير وتلويث كل مناحي النظام البيئي، من إتلاف اليابس والماء والهواء واستباحة الضبابية والضوضاء ..
وفساد علمي وأكاديمي… وضراوته تكمن في تمرير المنح التقديرية لغير المستحقين، والتدليس وانتحال الأبحاث والأفكار ..
الفساد على الإجمال هو تبديل الحسن بقبيح، والحق باطل، والباطل حق، والسمين إلى غث ، والعذب إلى أجاج،،،
وذات الفساد هو إخراج الشيء عن مساره بغياً وعدواً.. والعبث بمظاهر الاستواء، لتغدو سوداوية عشواء … وتغيير الماهية الكلية للصلاح، إلى وصمة حرفية للطلاح …. …… ….. ….