وفي عصر الزلازل والأزمات وجب التخلي والتحلي والتجلي

وفي عصر الزلازل والأزمات وجب التخلي والتحلي والتجلي

 

ارتفع عدد ضحايا الزلزال الذى ضرب جنوب تركيا صباح 6 فبراير 2023 والناس نائمون إلى 1554 ، وأصيب أكثر من 7003 ، فضلا عن ضحايا سوريا الجريحة التى مزقها الإرهاب والحروب من قبل ، حيث أصيب أكثر 1284 ، واستشهد ما يقرب من 430 !ويتوقع علماء الجيولوجيا ، سلسلة من الزلازل تضرب المنطقة فى قادم الأيام.

ومن المؤكد وسط هذه الأمواج المتتابعة من الإبتلاءات الربانية للبشر ، والتى أشبه ما تكون بأمواج البحر العالية بعضها فوق بعض ، يصاب الكثير من الناس باليأس والأحباط ، وخاصة أن أزمة كورونا ظلت تحصد الأرواح من حولنا لمدة عامين تقريباً ، ثم جاءت الأزمة المالية الطاحنة التى تسببت فى غلاء الأسعار بصورة جنونية ، ثم كان الزلزال الذى حصد مئات الأرواح فى لمح البصر الخ. وقد يسأل البعض ؟

لماذا الزلازل والاوبئة والأمراض؟

أما كان من المناسب أن يجعل الله الدنيا كالجنة بلا شدائد ولا زلازل ولا أوبئة ؟وللإجابة على هذا الاستفهام لابد من فهم جزء من حقيقة هذه الحياة ، وفلسفة وجودنا فى دار الدنيا !فالله تعالي خلق السلام والأمان والخير في هذا الكون وجعل معه مساحة فضاء أخري ، عندما يفسد الانسان ويسيء التصرف ويُذهب الخير الذي خلقه الله !! تمتلىء هذه المساحة بالشر والمرض والشدائد.. وهذا مثل الليل والنهار ، فالله تعالي خلق النور – نور الشمس – عندما يذهب نور الشمس يأتي الظلام ليملأ الفراغ.ومساحة الفراغ هذه من مقتضيات حرية الإنسان التى ميزه الله بها عن سائر الخلق !فلو لم توجد هذه المساحة لكان الإنسان مسيراً وليس مخيراً !والله تعالى خلقنا أحراراً … والحريّة تقتضي أن توجد مساحة في الحياة للخطأ !! .. ولا معني للحرية دون أن يكون لنا حق التجربة في عمل الحسنات وعمل السيئات والصواب والخطأ ، وأن يختار الإنسان بحرية كاملة بين المعصية والطاعة.وكان من الممكن أن يقهرنا الله علي طاعته قهراً ، ويسلب منا حرية الاختيار !ولكن خلقنا مخيرين نخطيء ونتألم ونصيب ونتنعم ، وهذا سبب جوهرى فى وجود مساحة يملؤها الانسان بالشر والضرفضلاً علي أن الخير في الوجود هو المساحة الأصلية ، والشر بجانبه استثناء. والصحة هي القاعدة الأساسية ، والمرض استثناء.بدليل أننا نقضي سنوات عمرنا في صحة ولا يزورنا المرض إلا قليلاً .. وبالمثل الزلازل في أعمار الأرض بضع دقائق وعمر الارض يحصي بالملايين من السنين.إذاً المرض والضرر هو نتيجة طبيعية لغياب الخير والصحة الخ.والزلازل نتيجة طبيعية لضغط شديد يرج الأرض رجاً فى غياب الإستقرار الجيولوجي !ولقد سمح الله بوقوع ذلك في ملكه لأسباب :فالمرض تنتج عنه الوقاية ، فكم من الأمصال والأدوية عرفناها بسبب وجود الأمراض !ولولا الأمراض لمًا عرفنا تلك الأدوية التى تعالج مليارات من البشر والكائنات حول العالم!!فضلاً عن أن الألم يربي الصلابة والجلد فى الجنس الإنسانى ، بل ويتكيف الكائن الحى بسببه فى بيئات متغيرة بدافع البقاء.أما الزلازل فتنفس الضغط المكبوت داخل الكرة الارضيّة ، وبالتالى تحمى القشرة الأرضية من الإنفجار ، وتعيد الجبال إلي أماكنها كأحزمة أمان للأرض .وقد أشار القرآن لذلك بقوله تعالى ” والجبال أوتادا ” سورة النبأ : 7فإن كان قد مات مئات الأشخاص جراء الزلزال ، فإن هذا الزلزال قد جعله الله لحماية المليارات من الكائنات لو لا قدر الله انفجرت الأرض كلها ؟!وهذا سيحدث يوم القيامة بأمر الله كما علمنا القرآن.قال تعالى : إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ (1) وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انْتَثَرَتْ (2) وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ (3) وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ (4) عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ (5)” سورة الإنفطار.والميكروبات التي تصيب الآلاف من البشر ويتألمون بسببها ، يتم استخراج اللقاح منها لعلاج الملايين من البشر حول العالم ، وكذلك الثعبان يخرج لنا الترياق المنقذ للمرضى ،،،فوجود الألم والمرض والزلازل ،، الخ في الكون ضروري لانه يؤدي دوراً مهماً لمعرفة كل ما هو خير للبشرية !!- هل يمكن أن نعرف الصحة لولا المرض ؟ وهل يمكن أن نعرف الجمال لولا القبح؟يقول أبوحامد الغزالي : إن نقص الكون هو عين كماله .. مثل اعوجاج القوس هو عين صلاحه ..وهناك وظيفة أخري للمشقة والآلام !!إنها تفرز الناس ومعادنهم ، الطائع من العاصي والصالح من الفاسد.وهناك حقيقة ينبغي تدبرها ، ألا وهي : الدنيا ماهي إلا فصلٌ واحد من كتاب كبير كما قال د مصطفى محمود. .. انها جزء من رحلة الانسان نهايته ليست بالموت !! النهاية في الدار الآخرة ، فَلَو ضمنت فصل الحياة الدنيا مع فصل الحياة الآخرة ، لقال لك العقل : لا ينبغي أن تحكم علي كتاب من مجرد قراءة صفحة في أوله !! – الحكم هنا ناقص -فالدنيا فيها شر وألم لأنها دار تكليف وتخيير.. والآخرة دار حساب وجزاء.- هل تريد أن تعيش حياة بلا موت ؟! وتظل شاباً يافعاً دون أن تُصاب بالشيخوخة ؟! وتعيش بلا أحزان وآلام ؟هذا كمال مطلق !!! … والكمال المطلق لله وحده.ثم إن معظم أزمات البشر بسبب فساد البشر ؟!لأن الله عندما خلق لنا الطعام والشراب ، خلقه من أجل البقاء فيأكل الإنسان دون إسراف ! ، لكن البعض أكل فوق حاجتهم بنهم حتي جاءهم المرض ، فأخذو يسبون الله والقدر ؟!! رغم انهم هم الذين جلبو لأنفسهم المرض !!وأجري الله الرياح والماء في البحار .. وقائد السفينة ملأها بحمولة فوق طاقتها فغرقت !!! فمضي يقول : الله هو الذي أغرق السفينة !! رغم أنه هو الذي تسبب في ذلك .القرآن الكريم أشار إلي ذلك المعني والعرب كانت تشتبك مع رسول الله محمد صلي الله عليه وسلم بمثل هذه الأسئلة ، بقوله تعالي :ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (41). سورة الروم . وإذا كان من رسالة من مناسبة فى ظل هذه الأجواء ؟! فلا أكثر من قول بعض أئمتنا فى التصوف !!لابد من التخلى والتحلى والتجلى* التخلى يعنى : يتخلى الإنسان عن غروره الذى دفعه إلى هذا الكم من الشر والحروب والظلم والطغيان حتى بات الكون كله على صفيح ساخن بسبب فساد الإنسان.ولابد أن يعلم كل منا أنه ضعيف أمام الله وأمام حتى أزماته وأزمات الحياة ، ولا منجى له إلا الله سبحانه وتعالى الذى يقول للشيء كن فيكون.ولنعلم أن اجلنا بيده سبحانه وتعالى فلا ينبغى أن نقابل الله بغرور وكبر وظلم !قال تعالى : “أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ (6) الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ (7) فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ (8) ” سورة الإنفطار.* والتحلى : يعنى التحلى بالإيمان ، وطريق ذلك العمل الصالح والعطاء والإنفاق فى سبيل الله ، ومساعدة المرضى والفقراء والضعفاء والتواضع وحب الخير.فالإيمان حالة كلها صفاء ونقاء وأُنسٌ برب العالمين ، لا يتذوقها إلا المحبون لله وللناسقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” ثلاثٌ من كُنَّ فيه، وجَد بهن حلاوة الإيمان: أن يكون اللهُ ورسوله أحَبَّ إليه مما سواهما، وأن يحب المرءَ لا يحبه إلا لله، وأن يَكرهَ أن يعود في الكفر بعد أن أنقذه الله منه، كما يَكرهُ أن يُقذَف في النار ؛ متفق عليه.* أما التجلى فهو يعنى الخشوع لله ، ويعرفه بعض السادة الصوفية بأنه ما ينكشف للقلوب من أنوار اللهومن أنار الله قلبه ، توهجت بصيرته ، ومن توهجت بصيرته دخل الحضرة الربانية ، فكأنه ينظر بنور الله ، ويعبد الله كأنه يرى الله

 

اللهم اجعلنا منهم يارب العالمين