الدكرورى يكتب عن السيدة رملة بنت أبى سفيان “جزء 8”
بقلم / محمـــد الدكـــرورى
السيدة رملة بنت أبى سفيان “جزء 8”
ونكمل الجزء الثامن مع السيدة رملة بنت أبى سفيان، فقد كان لباقي زوجاته صفات خاصة تميزن بها، ومن بين نساء النبي صلى الله عليه وسلم، اللواتي كان لهن مواقف في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، عموما وفي تاريخ تأسيس الدولة الإسلامية إجمالا هي السيده أم حبيبة رملة بنت أبي سفيان رضي الله عنهما، حيث حفظ التاريخ الإسلامي من مواقفها ما لا يمكن استثناؤه أو نسيانه، وقد اشتهر عنها حادثة نزع فراش النبي من تحت والدها أبي سفيان، وهو من سادات قريش، وبالرغم من أنه والدها، إلا أنها آثرت ألا يجلس كافر على فراش النبي صلى الله عليه وسلم، حتى إن كان والدها، ولعل أيضا من أبرز مناقبها ومواقفها أنها كانت أم المؤمنين.
رملة بنت أبي سفيان رضي الله عنها ممن هاجر الهجرة الثانية والتي كانت وجهتها أرض الحبشة مع من هاجر من المسلمين في تلك الرحلة، حيث هاجرت أم حبيبة رضي الله عنها، فرارا بدينها هي وزوجها حين ذلك، وهو عبيد الله بن جحش، إلا أن زوجها ارتد عن الإسلام ودخل في النصرانية، ومات عليها، وقد عرض عليها زوجها بعدها ترك الإسلام والدخول في النصرانية، فأبت ذلك، ورفضت إلا أن تبقى متمسكة بدينها، ثابتة على إسلامها وهجرتها، حتى جاءتها البشرى على يد الجارية أبرهة تخبرها بخطبة النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، لها من النجاشي ملك الحبشة، فأبدلها الله سبحانه وتعالى زوجا خيرا من زوجها.
ومن المواقف أيضا في حياتها رضي الله عنها، هو إكرامها لفراش النبي صلى الله عليه وسلم من أن يجلس عليه أبوها أبو سفيان عندما قدم إلى المدينة المنورة ليعقد هدنة بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين قريش، لأنه كان يومئذ مشركا، حيث أبت أم المؤمنين أن يدنس فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم، بجلوس كافر مشرك عليه، حتى لو كان ذلك المشرك هو أقرب الناس إليها نسبا، وأحبهم إليها بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأحب ما عند المرء الأب والأم، إلا أنها منعته من الجلوس على فراش النبي صلى الله عليه وسلم، ونزعته من تحته، فقال لها أبو سفيان يا بنيه، أرغبت بهذا الفراش عني، أو بي عنه؟
قالت بل هو فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنت امرؤ مشرك نجس، فلم أحب أن تجلس على فراش رسول الله، وكان موقفها رضي الله عنها من غيرها من أمهات المؤمنين رضي الله عنهن، حيث دعتهن عند موتها وطلبت المغفرة من الله لها ولهن حيث توفيت رضي الله عنها سنة أربع وأربعين من الهجرة في خلافة أخيها معاوية بن أبي سفيان، ودُفنت في البقيع في المدينة المنورة، وعند وفاتها تجسدت فيها رضي الله عنها، روح الحب والألفة بينها وبين أمهات المؤمنين الباقيات، عندما طلبت من السيدة عائشة أن تحللها من أي شيء فحللتها، واستغفرت لها، وهكذا فإن الحياة الدنيا من المنظور الإسلامي هى القنطرة للدار الآخرة، وهى الوسيلة للغاية النبيلة.
فبناء على التصور الإسلامي، فإن الحياة فانية، وعمر الإنسان مهما طال فهو قصير، ولقد كانت الآداب والقيم، هما السمة البارزة في سيرة الرعيل الأول من سلف هذه الأمة، فقد أولوها اهتمامهم قولا وعملا وسلوكا وتصرفا، بل كان النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، يهذب الجيل إذا ما وقعوا فيما يناقض الذوق والأدب، ويقول عبد الله بن عباس رضي الله عنهما “كان الناس يتعلمون الأدب قبل العلم” لذا حازوا الأدب العالى والذوق الرفيع والعلم الوفير، فكانوا أحسن الناس أخلاقا، وأرفعهم أذواقا، وأكثرهم ندى، وأبعدهم عن الأذى، وإن دين الإسلام الحنيف، هو دين تكافل وتراحم، وهو دين تعاطف وشفقة، وهو دين معاملة وإحسان، وقد عمل على ذلك أولو العزائم، من السلف الكريم، أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.