” دُلّ أصابعى عليك
يا حظّ
أنت أبى
والخرافة أمى
أنا بدونكما يتيم “.
فقدت الصديقة إيمان إمبابى، أول أمس، والدتها. إيمان رقيقة، إنسانة وشاعرة، لا تحتمل فقد قلامة
أظافرها، أما أنا فقد تعودت عليه، لأن الفقد ولد معى، بل ولد قبلى ، وربما لذلك، حين أعزى صديقاً أو صديقة، إنما أعزى ، فى الحقيقة، نفسى . محنة كل يد
شعر : البهاء حسين
محنة كل يد
من جديد
فى اللّحظة التى تتأرجحُ دائماً
بين عامينِ
عند منتصف الليلِ، عندما نوقد شمعة
أنتظر من يأخذنى إلى المستقبل
كى أطّلعَ
:
أنتظر
وفى كل مرة
لا أجرؤ على التفكير فى أن هذا الأمر
لن يحدث
ولا تواتينى الشجاعة على أن أطفىء الشمعة.
،،
دُلّ أصابعى عليك
يا حظّ
أنت أبى
والخرافة أمى
أنا بدونكما يتيم.
،،
ما من ترابٍ لا تذروه الرياح
ما من شجرة
ما من مصادفةٍ نسيتْ وجهتها
ما من أحد لم يعثر بعدُ
على مصيرٍ
سواى.
،،
قال الفلكيون
إن سنتى المقبلة، التى انتهت أصلاً
هى الأفضل
أكدوا ذلك وتعهّدوا به
..” الثور” أكثر الأبراج حظاً على الإطلاق
استعدّ
ستكون سعيداً حتى وأنت نائم
وربما وهبتْك الحقيقة نفسها عن طيب خاطر
كأمّ تُرضع طفلها
قالوا: ” سيُريك حدسك كلّ شىء قبل أن يحدث”
سيسكت الحزن عن أمك
عليك فقط أن تنتظر
ولأننى شخص أحمق، اعتاد على أن يصدق الناس
جهزت قلبى للفرح
ورحت أنادى على الوقت أن يمضى بسرعة
لم أكن أعرف أن بينى وبين الذعر شعرة
لم أكن أعرف
أن أختى الوحيدة
سوف تُقتَلُ غداً
بسهولة
كأن أحداً يتخلص من حذاء بال
أو ينشّ ذبابة عن وجهه
لم أكن أعرف
أنى سأكره الشحاذين ، بينما
أحتاج إليهم، كى أتصدّق على روحها
أمس
نزعتُ النقود من أحدهم
بعد أن وضعتها
فى كفَّه
ولم أحفل بما أرسلته عيناه من دهشة
لم أكن أعرف أنى سأفقد نفسى
لم يحدث أبداً ما وعدتْنى الأبراجُ به
مع ذلك
ما زلت أقرأ طالعى
لأن الحظ أب طيب
والصحف هى التى خذلتْنى .
،،
يا أختى
يا أمّ طفولتى
لماذا تركتِ يدكِ
مقطوعةً إلى جوارك
فى الشارع
:
هل كنتِ مضطرة
أم أن يدكِ أرادت أن تتطفّل على الموت
أن تغيّر هيئتها
ربما صارت أصابعها ضفائر
ربما أصبحت هى نفسها طفلة
تجرى وتلعب
تعوّض ما فاتك من خطوات
:
لم يخبرنى الفلكيون أن دمكِ
سوف يتقاطر من بيتٍ
إلى بيت
ولم أخبرهم
أنى دفنتُ يدكِ
واقفة
كأنها شاهد قبر.
،،
لم أكن أعرف كيف هو الدم
فى الصباح المبكر
على الرّيق
حين فاجأتْك السواطيرُ
فى الغبشة، قبل أن تطلعَ الشمس
لكنّ أمى، وهى تقترب بأُذنها من فمك
عرفتْ، من بقبقة الدم
أنك تمسحين وجهها بأنفاسك الأخيرة
لذلك
خبأتْها فى الزجاجة، مع أرواح موتاها
من يدرى
ربما عُدتِ إليها
بعد أن تكفّى عن مجاراة الموت
هكذا تقول أمى
هكذا تقول يدكِ
رغم أنى وضعتك فى الكفن،
حملتُك، بكل ما تملك يداى من غضب وحسرة
عرفتُ من جثمانك أن المشرحة
هى صمت وبرد
سيراميك
لم يترك لى أىّ أمل فى أن يكون موتك شائعة
رغم ذلك بدا لى أن صوتكِ سوف يركض نحوى كالعادة
قبل أن تفتحى الباب
بدا لى أن يدكِ أطولُ عمراً منك
وأنها ستجرب الوقوف عنك فى الطوابير
بسلّة الخبز
كل صباح
بين هؤلاء الذين تمرّسوا على الانتظار
بدا لى
فى الطريق إلى القبر
أنكِ سرعان ما ستنزلين من النعش
عائدة إلى البيت، لتطعمى أحفادكِ
بحُبّ
كما كنت تعاملين دجاجتى
بدا لى
أن يدكِ، التى استقلت عنك مؤخراً
غير قابلة للفناء
:
أنا متأكد أن يدك ستأخذنى إلى نفسى..
سمائى القريبة
سترقد فى حجرى
كما لو كانت ابنتى
سأحكى لها ما لم تعرفه عنك
سأحثّ يدك على أن تضم الأصابع
إلى بعضها
كى تسدّ الطريق على الموت
:
نعم سوف أحكى
لكن من يفهمنى
إن حكيت .