سمات المؤمنين والمتقين ” جزء 10″

الدكروى يكتب عن سمات المؤمنين والمتقين ” جزء 10″

بقلم / محمـــد الدكـــرورى

سمات المؤمنين والمتقين ” جزء 10″

ونكمل الجزء العاشر مع سمات المؤمنين والمتقين، فالتواضع الذي يهيمن على أرواحهم بحيث يظهر حتى في مشيتهم، التواضع الذي يدفعهم إلى التسليم أمام الحق، لكن من الممكن أحيانا أن يتوهم البعض في التواضع ضعفا وعجزا وخورا وكسلا، وهذا النمط من التفكير خطير جدا، فالتواضع في المشي ليس هو الضعف والخطوة الخائرة، بل إن الخطوات المحكمة التي تحكي عن الجدية والقدرة هي من صميم التواضع، ونقرأ في سيرة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم أن أحد أصحابه يقول “مارأيت أحدا أسرع في مشيته من رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنما الأرض تطوى له، وإنا لنجهد أنفسنا وإنه لغير مكترث” ويعني ذلك أنه حينما كان الرسول صلى الله عليه وسلم يمشي.

فإنه يخطو خطوات سريعة دونما استعجال، كأنما يمشي في منحدر، وعلى أية حال فإن طريقة المشي ليست مقصودة بذاتها، بل هي نافذة إلى معرفة الحالة الروحية للإنسان، والآية في الحقيقة تشير إلى نفوذ روح التواضع والخشوع في أرواح وقلوب عباد الرحمن، ولا شك أن الإسراف واحد من الأعمال الذميمة بنظر القرآن والإِسلام، وورد ذم كثير له في الآيات والروايات، فالإسراف كان نهجا فرعونيا، حيث يقول الله عز وجل ” وإن فرعون لعال فى الأرض وإنه لمن المسرفين” والمسرفون هم أصحاب جهنم والجحيم، حيث يقول الله تعالى “وأن المسرفين هم أصحاب النار” ومع الإلتفات إلى أنه أصبح ثابتا اليوم أن منابع الثروات الأرضية ليست كثيرة جدا.

نسبة إلى زيادة الكثافة السكانية للبشرية حتى يمكن للإنسان أن يسرف، وكل إسراف سيكون سببا في حرمان أناس لا ذنب لهم، فضلا عن أن الإسراف عادة قرين التكبر والغرور والبعد عن خلق الله، وفي نفس الوقت فإن التقتير والبخل أيضا، ذميم وقبيح وغير مقبول بنفس الدرجة، فالأصل على أساس النظرة التوحيدية، أن الله تبارك وتعالى هو المالك الأصلي، ونحن جميعا مستخلفون من قبله، وكل نوع من التصرف دون إجازته ورضاه فهو قبيح وغير مقبول، ونحن نعلم أن الله لم يأذن بالإِسراف ولم يأذن بالبخل، وإن من سمات عباد الرحمن وهى التوحيد الخالص الذي بيعدهم عن كل أنواع الشرك والثنوية والتعددية في العبادة، فيقول تعالى ” والذين لا يدعون مع الله إلها آخر”

فقد أنار التوحيد آفاق قلوبهم وحياتهم الفردية والإجتماعية، وانقشعت عن سماء أفكارهم وأرواحهم ظلمات الشرك، وكذلك طهارتهم من التلوث بدم الأبرياء، فيقول تعالى ” ولا يقتلون النفس التى حرم الله إلا بالحق” ويستفاد هنا أن جميع الأنفس الإنسانية محترمة في الأصل، ومحرم إراقة دمائها إلا إذا تحققت أسباب ترفع هذا الإحترام الذاتي فتبيح إراقة الدم، وأيضا من سمات عباد الرحمن، هو أن عفافهم لا يتلوث أبدا حيث يقول تعالى ” ولا يزنون” فإنهم على مفترق طريقين الكفر والإيمان، فينتخبون الإيمان، وعلى مفترق طريقين الأمان واللاأمان في الأرواح، فهم يتخيرون الأمان، وعلى مفترق طريقين، الطهر والتلوث، فهم يتخيرون النقاء والطهر.

وإنهم يهيئون المحيط الخالي من كل انواع الشرك والتعدي والفساد والتلوث، بجدهم واجتهادهم، ويقول الله تعالى ” ومن يفعل ذلك يلق أثاما” فقال بعضهم إن كلمة إثم بمعنى الذنب وآثام بمعنى عقوبة الذنب، فإذا رأينا أن بعض المفسّرين ذكروها بمعنى صحراء أو جبل أو بئر في جهنم فهو في الواقع من قبيل بيان المصداق، ومن الملفت للنظر في الآية الكريمة أنها بحثت أولا في مسألة الشرك، ثم قتل النفس، ثم الزنا، ويستفاد من بعض الروايات أن هذه الذنوب الثلاثة تكون من حيث الأهمية بحسب الترتيب الذي أوردته الآية، وعن ابن مسعود رضى الله عنه قال سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الذنب أعظم؟ قال “أن تجعل لله ندا وهو خلقك” قال قلت ثم أَي؟ قال “أن تقتل ولدك مخافة أن يطعم معك” قال قلت ثم أي؟ قال “أن تزاني حليلة جارك” فأنزل الله تصديقها.