الدكرورى يكتب عن النعمان بن بشير الأنصاري الخزرجي ” جزء 16″
بقلم/ محمـــد الدكـــرورى
النعمان بن بشير الأنصاري الخزرجي ” جزء 16″
ونكمل الجزء السادس عشر مع النعمان بن بشير الأنصاري الخزرجي، فقيل إنه بدلا من أن يوضح موقفه حول الأحداث بولائه ليزيد فقد قال هذا الكلام المبهم الذي لا يؤيد أحد الفريقين, إذ تأكد كل من سمع كلامه أنه ينوي الخروج عن طاعة يزيد، وإن وراءه أمر ما ؟ وهل هذا الأمر غير الخلافة ؟ ولكي يظهر للناس إنه لا زال أميرا ذا نفوذ على الناس رغم خروجه عن طاعة يزيد ويمتلك السلطة الفعلية على أرض الواقع في الكوفة كان لزاما عليه أن يمارس دوره كحاكم ويخطب بالناس فصعد المنبر، وقال ” اتقوا الله عباد الله ولا تسارعوا إلى الفتنة والفرقة، فإن فيهما يهلك الرجال وتسفك الدماء وتغصب الأموال، إنني لم أقاتل من لم يقاتلني ولا أثب على من لا يثب علي.
ولا أشاتمكم ولا أتحرش بكم ولا آخذ بالقرف ولا الظنة ولا التهمة ولكنكم إن أبديتم صفحتكم لي، ونكثتم بيعتكم، وخالفتم إمامكم فو الله الذي لا إله غيره لأضربنكم بسيفي ما ثبت قائمه في يدي ولو لم يكن منكم ناصر، أما أني أرجو أن يكون من يعرف الحق منكم أكثر ممن يرديه الباطل” ولكن هذا الخطاب لم يكن ليُرضي أتباع الأمويين الذين استضعفوه وشكوا في ولائه فهو لم يتطرق بل لم يشر ولو إشارة إلى أعظم حدث يجري في الكوفة يهدد السلطة الأموية وهو حركة مسلم بن عقيل مما يؤكد خروجه عن طاعة يزيد والعمل على طلب الخلافة لنفسه فقوله ” ولكنكم إن أبديتم صفحتكم لي، ونكثتم بيعتكم، وخالفتم إمامكم” يعني نفسه لا غير، لقد أعلن نفسه خليفة.
مستغلا انشقاق الكوفة عن الدولة الأموية بدخول مسلم بن عقيل، فكتب بعض أعوان الأمويين إلى يزيد يحثونه على تبديل النعمان برجل قوي، وكان من ضمن الذين كتبوا إلى يزيد بن معاوية، هو عمارة بن عقبة بن أبي معيط أخو الوليد بن عقبه، وعمر بن سعد بن أبي وقاص، ولم يعبأ النعمان كثيرا بما يجري في الكوفة فقد كان يوجّه نظره بعيدا إلى ما هو أكبر وأعظم من منبر الوالي وحكم الكوفة أو غيرها من الأمصار, وبقي يترقب اليوم الذي سيجلس فيه على كرسي الخلافة, فالكوفة لم تعد تهمّه والهدف الذي طالما سعى إلى تحقيقه هو في الشام, وفجأة يطرق سمعه خبر هدّ كيانه ونزل عليه كالصاعقة، وقد أحس أن آماله تبددت وإن حكم الكوفة الذي استصغره سيخرج من يديه.
ولقد ساءه ما سمع, ورأى الناس علامات الإستياء واضحة على ملامحه, حينما أخبروه أن الحسين بن على رضى الله عنه، قد دخل الكوفة، وما إن أفاق من وجومه حتى أمر بإغلاق أبواب قصر الإمارة, لم يكن يحسب لهذا الأمر حسابا, فهو الوالي ويجب أن تكون كلمته هي العليا، أما بوجود الإمام الحسين رضى الله عنه، فلا كلمة له بل لا وجود، ويسمع قرع باب القصر وفي باله إن القادم هو الإمام الحسين فيكلمه من وراء الباب ويقول له ” أنشدك الله إلا تنحّيت عني, ما أنا بمسلم إليك أمانتي، ومالي في قتالك من أرب” وقيل أنه عندما سمع باسم الحسين فذابت أحقاده وكرهه ليزيد ليحل محلها كرهه للحسين، ولكن الطارق زاد من قرعه الباب بشدّة وطلب منه بصوت منخفض أن يدنو ويصغي.
لئلا يسمعه أحد وما إن دنا حتى قال له إفتح لا فتحت، فقد طال ليلك، لقد اتضح الأمر فالطارق لم يكن الحسين, بل كان عبيد الله بن زياد وقد أتى ليحل محله, ففتح الباب وسلم القصر الذي رفض تسليمه حينما ظن أن القادم هو الحسين وها هو يسلمه لابن زياد ولينتهي دوره في الكوفة ويخرج منها إلى غير رجعة، وكانت نهاية النعمان على يد الأمويين أنفسهم بعد أن أفنى حياته طائعا لهم، وها هم يتنكرون لكل ما فعله من أجلهم ويقتلوه, وكان النعمان واليا على حمص عند موت يزيد، فاشرأبت عنقه للخلافة, ولكن ابن الزبير كان قد استفحل أمره وطمع أن يتولى الشام, فلما بويع لمروان في الشام، دعا النعمان إلى ابن الزبير، وخالف على مروان، وذلك بعد قتل الضحاك بن قيس بمرج راهط.