الدكرورى يكتب عن مفرق الجماعات الموت ” جزء 8″
بقلم / محمـــد الدكـــرورى
مفرق الجماعات الموت ” جزء 8″
ونكمل الجزء الثامن مع مفرق الجماعات الموت، وأن يكون ما يعمله الإنسان فيه إخلاص لله تعالى، وبعد عن الرّياء، ويكون وفق ما حدده الشرع من المبادئ الإسلامية والمنهج الربانين فيجب علينا المسارعة في التوبة الصادقة من الذنوب والمعاصي، والعزيمة الصادقة في ذلك، فليحرص الإنسان دائما على تعجيل التوبة ومحاسبة النفس، والمداومة على ذلك اقتداء بفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد قال “يا أيها الناس، توبوا إلى اللهِ، فإني أتوب، في اليوم، إليه مائةَ مرة ” وقيل إن ملك الموت دخل على نبى الله داود عليه السلام فقال له من أنت؟ فقال أنا من لا يهاب الملوك، ولا تمنع منه القصور، ولا يقبل الرشا، قال داود عليه السلام، إذن أنت ملك الموت.
قال نعم، فقال نبى الله داود عليه السلام أتيتني ولم أستعد بعد؟ فقال ملك الموت يا داود أين فلان قريبك، أين فلان جارك؟ قال نبى الله داود عليه السلام مات، فقال ملك الموت أما كان لك في هؤلاء عبرة لتستعد؟ ومر رجل بغلام فقال له يا غلام أين العمران؟ قال اصعد الرابية تشرف عليهم، فصعد فأشرف على مقبرة، فقال إن الغلام جاهل أو حكيم، فرجع فقال سألتك عن العمران فدللتني على مقبرة، فقال الغلام له لأني رأيت أهل الدنيا ينتقلون إليها ولا يرجعون، ومرالإمام على بن أبى طالب رضى الله عنه على القبور، فقال السلام عليكم أهل الديار الموحشة والمحال المقفرة، أنتم لنا سلف ونحن لكم تبع، وإن شاء الله بكم عما قليل لاحقون، يا أهل القبور أما الأموال فقد قسمت.
وأما الديار فقد سُكنت، وأما الأزواج فقد نُكحت، هذا خبر ما عندنا فما خبر ما عندكم؟ ثم التفت إلى أصحابه وقال أما إنهم لو تكلموا لقالوا، وجدنا أن خير الزاد التقوى، وما وعظ المرء نفسه بأعظم من ذكر الموت، فقال الحسن البصري “فضح الموت الدنيا لم يترك لذي لب فرحا ” وقال مطرف بن عبد الله ” إن الموت قد أفسد على أهل النعيم نعيمهم فاطلبوا نعيما لا موت فيه” فيجب علينا أن نتفكر في القبر وساكنه، فإنك لو رأيت الميت في قبره بعد ثلاث لاستوحشت منه بعد طول الأنس به، ولرأيت بيتا تجول فيه الهوام، ويجري فيه الصديد، وتخترقه الديدان، مع تغير الريح وتقطع الأكفان، وكان ذلك بعد حسن الهيئة، وطيب الريح، ونقاء الثوب، والقبر ينادي ألا تسألني ما صنعت بالأحبة؟
خرقت الأكفان ومزقت الأبدان ومصصت الدم وأكلت اللحم، ألا تسألني ما صنعت بالأوصال ؟ نزعت الكفين من الذراعين، والذراعين من العضدين، والعضدين من الكتفين، والوركين من الفخذين، والفخذين من الركبتين، والساقين من القدمين، وقد بكى عمر بن عبد العزيز، ذات يوم وقال ” ألا إن الدنيا بقاؤها قليل، وعزيزها ذليل، وغنيها فقير، شبابها يهرم، وحيها يموت فلا يغرنكم إقبالها مع معرفتكم بسرعة إدبارها ” وقال الحسن ” ابن آدم إنك تموت وحدك وتبعث وحدك وتحاسب وحدك، يا ابن آدم لو أن الناس كلهم أطاعوا الله وعصيت أنت لم تنفعك طاعتهم ولو عصوا الله وأطعت أنت لم تضرك معصيتهم، يا ابن آدم ذنبك، ذنبك، فإنما هو لحمك ودمك.
فإن سلمت من ذنبك، سلم لك لحمك ودمك، وإن تكن الأخرى؛ فإنما هي نار لا تطفأ وجسم لا يبلى ونفس لا تموت ” فحري بالعبد حين يوقن أنه راحل عن هذه الدنيا أن يستعد لرحيله ويتزود من الزاد الذي يبلغه إلى حيث النجاة والسلامة، وقد نصحنا نبينا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم وأخلص في النصيحة، لمعرفته بما ينتظرنا من أهوال، وقال عبد الله بن عمر رضى الله عنهما أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنكبي وقال ” كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل” وكان ابن عمر رضى الله عنهما يقول” إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وخذ من صحتك لمرضك، ومن حياتك لموتك”